الذائقة الجمالية – بقلم مفيد نجم

مفيد نجم
سحر اللغة وبلاغتها ما زالا طاغيين على هذه الذائقة، وقد ساهم الشعر والقرآن في تأصيلها بصورة كبيرة، ولذلك لم يستطع الفن التشكيلي العربي حتى الآن أن يتجاوز في تأثيره الخاصة من النخبة الثقافية العربية وهواة الفن.

محاولات كثيرة قام بها الدارسون لمعرفة أصول تاريخ الشعر والرسم. اكتشافات الدارسين بيّنت أن لغة الرسم على جدران الكهوف التي اكتشفت في مناطق كثيرة من العالم، كانت سابقة على اكتشاف الشعر، الذي ولد في أحضان أغاني الحصاد والعمل، وهي مرحلة لاحقة تاريخيا على لغة الرسم. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، لماذا غاب الرسم عن تاريخ الإنسان القديم في منطقتنا العربية، في حين ازدهر الشعر حتى في عصر ما قبل ظهور الكتابة والتدوين لدينا.

عرفت الحضارات القديمة، في بلاد الرافدين ومصر القديمة النحت، الذي ازدهر بصورة كبيرة، كما تؤكد على ذلك آثاره التي ما زالت ماثلة حتى أيامنا. على الرغم من ذلك لم تعرف هذه الحضارات اللاحقة الفن التشكيلي، باستثناء فن المنمنمات في مراحل لاحقة، بتأثير من فن الحضارات المجاورة لنا.

لقد ظلت الذائقة الجمالية العربية تدور في دائرة البلاغة والخطابة شعرا ونثرا، ولم تمنع صفة (الغاوون) أن تنال من مكانة الشعراء، أو من مكانة الشعر وهيمنته على الثقافة العربية، بينما لم يظهر الفن التشكيلي إلا بعد اتصالنا الحضاري مع الغرب. ولو حاولنا أن نتتبع تاريخ المبادرات الفردية لهذا الفن لما استطعنا تجاوز هذه الحقبة. والمفارقة أن الدارسين ما زالوا يختلفون على أول رواية عربية، بينما ليس هناك من يبحث عن رواد هذا الفن الأوائل.

السؤال هنا لا يخصّ البحث في تاريخ هذه العلاقة أو العوامل التي أثرت فيها، بقدر ما يحاول البحث عن الأسباب التي جعلت الذائقة الجمالية العربية تتركز في انشغالها حول الشعر والخطابة، وهي فنون أداتها اللغة والخيال، بينما لم تنفتح على فنون أخرى، وأهمها الفن التشكيلي، الذي لم يستطع رغم بعض محاولات بعض التشكيليين العرب تأصيل هويته الإبداعية، والتحرر من التأثير المباشر للمدارس الفنية الغربية عليه.

إن سحر اللغة وبلاغتها ما زالا طاغيين على هذه الذائقة، وقد ساهم الشعر والقرآن في تأصيلها بصورة كبيرة، ولذلك لم يستطع الفن التشكيلي العربي حتى الآن أن يتجاوز في تأثيره الخاصة من النخبة الثقافية العربية وهواة الفن، حتى يمكن القول إنه لولا محاولات بعض الرسامين الشعبيين، التي ظلت هي الأخرى في مدار تأثير الحكاية عليها، لبقيت ممارسة هذا الفن نخبوية جدا.

وليست محاولات عدد غير قليل من الفنانين العرب لاستثمار إمكانات الخط العربي الجمالية، وانسيابية حروفه سوى استكمالا لتقديم عمل تجريدي بعيد عن التشخيص بصورة تتلاءم مع قيم الثقافة السائدة، وتاريخ العلاقة مع هذا الفن.