تجربة ثقافية فشلت وتجربة حياة نجحت – بقلم فاروق جويدة

592019

لا أدري هل كان عميد الأدب العربي د. طه حسين على حق، حين طالب بأن تتجه مصر شمالاً نحو أوروبا، أم أن النتائج لم تكن على مستوى الأحداث لأن مصر بعد سنوات من هذه الدعوة لم تستفد كثيراً، بل خسرت عمقها الأفريقي، وفرّطت في دورها التاريخي في العالم العربي خاصة في السودان.

أقول ذلك وأنا أتابع مسيرة العلاقات بين دول الخليج العربي ودول آسيا، وكيف حققت دول الخليج طفرة اقتصادية في ظل هذه العلاقات.

لقد بخل الغرب على دول الشمال الأفريقي بالكثير من فرص التنمية والتقدم، حيث لم تجد الصناعات والتكنولوجيا لها مكاناً في علاقات أوروبا بدول عربية، مثل مصر، وتونس، وليبيا، والجزائر، والمغرب، وتحولت دول شمال أفريقيا إلى أسواق ضخمة للسلع للاستهلاك، واكتفى الغرب بأن يبيع منتجاته لنا.

كان ينبغي أن تتحول دعوة طه حسين إلى فكر جديد أكثر وعياً وثقافة وأكثر تطوراً وإنتاجاً صناعياً وزراعياً يشارك في نهضة هذه الدول وتقدمها.

وعلى الجانب الآخر نجحت دول الخليج العربي: الإمارات والسعودية وعمان والبحرين في أن تستفيد من تجارب دول شرق آسيا في التنمية، وهنا وجدنا إنتاجاً صناعياً متقدماً لم يوفر فقط احتياجات هذه الدول ولكنه أخذ فرصة كبيرة في الأسواق الخارجية، كما استفاد الخليج من التكنولوجيا المتقدمة في دول مثل: الصين واليابان وكوريا وسنغافورة، وبدأت برامج تدريب واسعة في كل المجالات لنقل التكنولوجيا الحديثة.

واستفاد الخليج أيضاً من الملايين من البشر في كل الخبرات الصناعية والتجارية الحديثة مقابل أجر مادي مناسب، وحاولت البحث عن موارد ما بعد البترول.

وقّعت دول الخليج في الفترة الأخيرة مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية بل والثقافية مع دول شرق آسيا تقوم على تدريب آلاف الشباب في مراكز الإنتاج المتقدمة في هذه الدول، وأضافت لقدراتها الإنتاجية مصادر أخرى تعوضها عن تراجع إنتاجها من البترول في المستقبل القريب.

ربما كانت دعوة طه حسين دعوة فكرية ثقافية ولكنها أهملت روح العصر إنتاجاً وتقدماً، ولهذا لم تستفد التجارب الاقتصادية التي قامت في دول شمال أفريقيا من العلاقات مع الغرب، فلم نجد صناعات متقدمة كما حدث في الصين والهند وماليزيا وسنغافورة، وبقيت موارد هذه الدول في بيع الخامات دون أن تتحول إلى صناعات منتجة.

لقد بقي فكر طه حسين في جوانبه الثقافية، ولم يتحول إلى عمق اجتماعي إنساني يوفر حياة أفضل للإنسان، وإن تجربة دول الخليج مع دول شرق آسيا كانت أكثر ثراء من تجارب دول شمال أفريقيا مع الغرب، وإذا كانت تجربة دول شمال أفريقيا قد تأثرت ببعض الجوانب الثقافية فإن دول الخليج تشكل حياة جديدة في علاقاتها مع دول آسيا وهذا إنجاز أكبر.

صحيفة الرؤية