لا تدعها تقف عندك – بقلم د. حسن مدن

د حسن مدن

لا يكاد يمر يوم واحد دون أن يصلنا «بوست»، أو مجموعة «بوستات»، على وسائل التواصل الاجتماعي تبدأ أو تنتهي بالعبارة التالية: «لا تدعها تقف عندك» أو ما يماثلها من عبارات، والقصد هو حثك على أن تقوم بتعميمها على كل من لك اتصال به على هذه الوسائل، وتخيّل بعدها عدد المرات التي يصلك فيها، أنت نفسك، هذا «البوست»، بما في ذلك من الشخص الذي قمت أنت نفسك بإرسالها إليه.
وخلال ساعات قليلة، لا بل دقائق أحياناً، تجد مخزن الصور والرسائل على هاتفك النقّال، وقد امتلأ بالصورة أو الرسالة ذاتها التي وصلتك عشرات المرات، لأنه يجري تدويرها على الأشخاص أو على مجموعات «واتس آب» وسواه من تطبيقات. والمحزن أن ما يجري تعميمه، في هنيهات، ليصل للآلاف المؤلفة من الناس، إما أنه غير صحيح بالمرة، أو غير دقيق، أو مجتزأ من سياق أشمل فيصبح له مغزى مختلف أو نقيض عما كان له في الأصل، مع ما يجره ذلك من إساءات لأشخاص أو جهات بريئة.
لكن الأدهى والأمر من هذا، حين ترفق «البوستات» بتوسلات ورجاءات، يضفى عليها، دون وجه حق، صفة القداسة أو التكليف الديني، كأن يرفق معها قول من نوع: لو أرسلتها إلى عشرة غيرك، أو عشرين شخصاً، كتب الله لك أعداداً من الحسنات، تزيد أو تنقص، حسب المرسل، وقد تبلغ المئات وحتى الآلاف، كأن توزيع الحسنات من مهام البشر وليست فضلاً من الله سبحانه وتعالى.
وقد يكتب لك أحدهم «إن فعلت كذا أو كذا»، الذي قد لا يكون أكثر من إعادة إرسال ما أرسله إليك، ضمنت دخول الجنة، أو بنى الله لك قصراً في الجنة، كأن ضمان دخول الجنة أمر بهذا اليسر والسهولة، أو كأن مجرد تلبية المرسل كفيل بأن يمحو كل آثام الإنسان وذنوبه، بما فيها تلك التي من العيار الثقيل كالنصب على الناس وسرقة أموالهم وممتلكاتهم، وكأن من طلب منك ذلك أُعطي صلاحية أن يقرر أن صفحة ذنوبك قد طُويت.
الحث على فعل الخير ونبذ الشر أمر محمود، والرفق بالفقير والضعيف أمر مطلوب، وهي أمور يجب أن تكون محوراً أساسياً من محاور التنشئة السوية، دينياً وأخلاقياً، ويجب أن تضطلع بها العائلة والمؤسسات التربوية، لكن تسطيح الأمور وتبسيطها على النحو الذي يجري اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي أمر مسيء أكثر مما هو مفيد، خاصة أن كل ما يرسل لا يخضع للضوابط الدينية المعروفة، ولا يصدر، في الكثير من الحالات، من جهات أو أشخاص يتمتعون بالأهلية الدينية والعلمية، ليبتوا في شؤون لها رجالها العارفون، الذين منحوا من العلم والمعرفة ما يجعلهم أهلاً للبت فيها، لا أن يترك الحبل على الغارب لكل من هبّ ودب. 

جريدة الخليج