ما بين لعبة البوكر ونوبل! – بقلم احمد الفيتوري

logofornews

“الفوز يُثمِل وإن كان في شهر رمضان أليس كذلك؟”

كنت عام 2014 من المُحكمين الخمسة في جائزة البوكر العربية للرواية، ويوم الإعلان عن أسمائهم الذي جرى في الأردن، في المؤتمر الصحافي المعتاد، ذكرتُ أن الجوائز تحظى بالتقدير من خلال الأعمال والأسماء التي تفوز بها، التي تمنح الحاصل عليها تقديراً إعلامياً واجتماعياً فحسب مع شيء من مال، إذ إن الجائزة تأتي كمحصلة لعملٍ مضنٍ وجيد، ولما يكون العمل قيماً ومهماً تجني الجائزة المصداقية.

لكن ما يغيب أحياناً إعلامياً، كما في الدورة التي كنتُ مُحكماً فيها، أن خمسة أشخاص يَمنحون الجائزة من خلال وجهة نظرهم وتقديرهم، وأنهم في هذا كما المُمتحنين الذين قد يجدون إجابات أينشتاين في الرياضيات أقل من المستوى، فيمنحوه درجة متدنية، وطبعاً لا يستطيعون لأسباب موضوعية إدراك، ومن ثم اكتشاف عبقرية أينشتاين.

الجوائز تقديرية

هكذا، الجوائز في النهاية تقديرية وليست حكماً علمياً مدققاً، ومن ناحية أخرى أي جائزة لا تخلو من الأغراض والأجندة، فهي ككل عمل بشري له ما له وعليه ما عليه، وما صدق ذلك يوضحه كمثال أن نوبل مثلاً أراد التكفير عن ذنب رآه في اكتشافه للديناميت، وما شاب هذه الجائزة في ما بعد وما كيل لها من اتهامات كثيرة تطال مصداقيتها.

ذلك يذكرنا بالمعلقات الشعرية العربية التي كانت كمسابقة بين الشعراء منذ قرون عدة، وما ينتج منها من جعل شاعر ما مبرزاً، لكن هذا بطبيعة الحال لم يمنح الشعرية لهذا الشاعر ولم ينزعها عن آخر، وهذه المعلقات في الشعر كما نوبل للآداب أو البوكر للرواية، جائزة وتقدير فحسب، سبق بها العرب وبقيت كما تاريخ، ولكن ليست كما قيمة علمية لتعيير الشعر.

هذا الرأي البديهي ينزاح عند الجائزة، التي كما سطوع نجم عند ظهورها تُغطي الحقائق الموضوعية، التي منها أنها تُمنح بعد ظهور العمل كما عندما تُمنح لاكتشاف علمي، وبالتالي لا تساهم في التطور العلمي أو الفني، بقدر ما أنها كما أشرنا، تُبرزه إعلامياً ولفترة ليس إلا.

لكل جائزة أبعاد عدة

الحقائق تقول ذلك، أن لأي جائزة أبعاداً، والبعد الجلي الامتياز الإعلامي، إذ تمنح المتحصل عليها الفرد والبلاد التي ينتمي إليها إشهاراً، ما يعني تفاخراً قومياً، ومن هذا فإن الجوائز تسقط في فخ الشهرة التي ذات طبيعة ملتبسة. هذا من جانب، ومن جانب آخر، عن هذا يتأسس الجانب المظلم للقم، الذي هو التوظيف ما يتأسس عليه بعد سياسي حيناً واقتصادي حيناً آخر، فنوبل مثلاً بدأ الحصول عليها مسألة يشوبها الربحية أي رأس المال الرمزي، وعلّ هذا ما أصابها بعطب الجوائز، فكانت الفضيحة التي طالت حتى البيت المالك السويدي وما نتج منها من إلغاء لمنح الجائزة في العام المنصرم 2018، وهذا يؤكد أن المصداقية أمر رجراج في كل جائزة وصعب المنال!

عصر الجوائز عصر الميديا

وتأسيساً على ما تقدم، بدأت الدول المُقتدرة وغيرها والسلطة الحاكمة، تحاول سرقة شعاع مما تشع به نوبل، فأطلقت الجوائز الخاصة، لكن في كثير من الأحيان انطلاقاً من البعد السياسي، كما فعل العقيد معمر القذافي من أطلق جائزة عالمية تحمل اسمه، ومُنحت في مجال الآداب إلى الكاتب الأسباني الشهير غويتسيلو الذي رفضها، معللاً موقفه أنه لا يقبل جائزة ديكتاتور قاتل أو كما قال. فأثار فضيحة، أراد المشرفون على الجائزة تغطيتها فزعموا أن هناك التباساً، ومنحوها لبديل هو الدكتور جابر عصفور الناقد المصري المعروف، وفي حفل في افتتاح فندق فخم في العاصمة الليبية، وارتبط مثل هذا التقليد بالقيمة المالية الممنوحة والمُغدقة.

الميديا… السلطة الأولى

والملاحظ أن إطلاق الجوائز عمّ العالم وفي مجالات عدة ومن الأصغر حتى الأكبر، وأن منها ما يوظف لاستثمار في مجال تجاري أو ما شابه، خصوصاً في عصر تبوأت الميديا فيه السلطة الأولى. لكن ذلك زاد على سلطة الجائزة وعلى وضع مصداقيتها على الطاولة، لأن أهميتها باتت مدركة عند قاعدة البشر، ما سلط الأعين، ولعلّ هذا ما جعل قيمة الجائزة الأشهر (نوبل) على المحك، كذلك ساهم في الترويج الضخم للمادة الحاصلة على الجائزة، ومن هذا بدأت الجوائز الآن كما هي موضة ومن لزوم ما لا يلزم.

وعلى الأرض، ما زالت ثمة جوائز مثيرة للرأي العام كما نوبل والبوكر مثلاً، لكن هذه الإثارة كما تمنح تصعيداً للشهرة، تسحب البساط من تحت الأرجل، لأنها تكشف عن المسكوت عنه وتسلّط الضوء على الجائزة، من هنا الميديا سيفٌ ذو حدين. والعرب لهم من نوبل جائزة يتيمة للآداب، واليوم البوكر العالمية للرواية تتوج أمرأة عربية من سلطنة عُمان الدكتورة جوخة الحارثية بفوز روايتها “سيدات القمر”، التي في البوكر توأمُها العربية هذا العام أيضاً حصلت عليها امرأة هي الروائية اللبنانية هدى بركات عن روايتها “بريد الليل”.

الفوز يُثمل

واللغط يدور حول الجائزة العربية توأم البوكر، ما ثمة حملة إعلامية حولها بعد أمست الأشهر في الجوائز العربية، ما يؤكد أن الميديا القادرة على تسليط الشمس، قادرة على جلب حرائقها، هذا من جانب، لكن الآخر المسكوت عنه، أن الجدل العربي خصوصاً في هكذا ظروف، جدل ذو بعدٍ واحد أي السياسي المهيمن، الأحد القادر والقهار، فالعرب يغوصون في صراع على السلطة في كل شيء، ومن أجل الهيمنة والإقصاء، هذا ما بعد الربيع العربي الذي قلب دول ما قبل الحداثة، وعرّاها وكشفها للشمس وحرائقها… حتى الساعة.

وبغض النظر عن أننا في حالٍ يُرثي لها، فإن الفوز يُثمِل، وإن كان في شهر رمضان أليس كذلك

www.independentarabia.com