ودع أسرارك – بقلم هيثم الزبيدي

هيثم الزبيدي
سرعة الكمبيوتر الذي يتحدّى التشفير شيء مهم. الفرق بين هاتف يُفتح بسبب البصمة وآخر يفتح بعد أن يميّز الوجه، هو سرعة المعالج.

في لحظة قادمة، من زمن قريب، سيكون لدينا كمبيوتر كمّي. هذا الكمبيوتر سريع جدا، أسرع من أي شيء يمكن تخيله في عالم الكمبيوترات الحالي.

الكمبيوتر الحالي يراوح بين حالتين هما الصفر والواحد. إيقاع هذه المراوحة هي البرامج. اضبط الإيقاع على هذا فيكون جهاز تلفزيون، وعلى غيره فيصبح جهازا لتوجيه الصواريخ في الفضاء. سرعة الإيقاع تجعل المهام سهلة أو صعبة أو شبه مستحيلة. إلى حين أن يولد الكمبيوتر الكمّي حقا تبقى تصنيفات الصعوبات قائمة. المراوحة في الكمّي بين حالة وحالة تصبح سريعة جدا إلى درجة أن “قدم” الصفر و”قدم” الواحد تكونان ملامستين للأرض أو بعيدتين عن الأرض في نفس اللحظة. الفكرة عصيّة على الفهم التقليدي لأنها بالفعل تنتمي إلى فيزياء مختلفة.

ماذا يهمّنا من كل هذا؟ ثمة بعد أمني وآخر.. اجتماعي.

البعد الأمني خطير. أكبر عقدة لأجهزة الأمن والمخابرات في العالم اليوم هي الاتصالات المشفرة. الحكومات تريد أن تعرف عنك كل شيء. ماذا تفعل وكيف تحصل على أموالك وبأي طريقة تنفقها. هذا عن الجميع وليس عن الإرهابيين والمجرمين فقط. هم يحصون عليك أنفاسك الإلكترونية. والطريق إلى هذا كان يمرّ عبر الدخول إلى بريدك الإلكتروني، أما الآن فهو عبر الهاتف الجاسوس الذي يحمله كلّ منا. اكسر شفرة الهاتف فتستطيع أن تعرف عن مستخدمه كلّ شيء.

سرعة الكمبيوتر الذي يتحدّى التشفير شيء مهم. الفرق بين هاتف يُفتح بسبب البصمة وآخر يفتح بعد أن يميّز الوجه، هو سرعة المعالج. وأجهزة الأمن تحتاج أن تكسر التشفير لتصل إلى الهاتف، وهذا يتجاوز قدرات أسرع الكمبيوترات الحالية. هنا يدخل الكمبيوتر الكمّي. يستطيع هذا الكمبيوتر، إذا صدّقنا أن تجربة كمبيوتر غوغل الكمّي الجديد حدثت بالفعل، أن يُتمّ في ساعات عمليات تستغرق آلاف السنين على الكمبيوتر العادي. أجهزة الأمن والمخابرات صارت شريكا في هاتفك وفي خصوصياتك. مبروك.

ما هو البعد الاجتماعي؟ ما يبدأ بأيدي أجهزة الأمن، سيتسلل خلال فترة قصيرة إلى عالم الأعمال وستتاح التقنيات للجميع. الإنترنت بدأت مشروعا عسكريا. انظروا بيد مَن الشبكة الآن.

أجهزة الأمن لا تريد أن تقرأ النكت “القبيحة” التي تصلك على واتساب. لكن ابنك المراهق الذي تؤنبه كلما مسكت عليه زلة، سيكون حريصا على قراءتها وابتزازك. تعلم فن تقديم الرشاوى للأبناء.

زوجتك ستتحول إلى خبير بكسر الشفرات الإلكترونية، وستجد طريقها إلى كل ما كنت تخفيه عنها. تحدّث مع أخيها الكبير وصادقه لكي ينقذك من الورطات القادمة. أو تحدّث مع محامي طلاق جيّد.

الموظفون معك في العمل سيجمعون أسرارك في ترسانتهم ضدّك، لأنك تجمع عنهم أشياء ومعلومات في ترسانتك. نوع من الحرب الباردة. تفضحني فأفضحك. دمار مشترك.

لن تعود مختارا في نشر صورك على فيسبوك. الصور مشاع. انتبه من الآن مع من تأخذ الصور ولمن.

تقيّد في الحوارات، لا شيء يمرّ من دون تأويل بعد اليوم. ما يفلت على أجهزة الأمن سيلتقطه صديق مصاب بالبارانويا ويقول إنك كنت تقصدني. زعل الصديق صعب. هذا يعرف عنك الكثير حتى من قبل أن تستخدم الهاتف الملعون كاشف الأسرار. هذا لا يعرف معلومات وحسب، هذا يعرف كيف يؤوّلها أيضا. إنه النسخة الأولى من الذكاء الاصطناعي. قليل من المعلومات والكثير من الفطرة.

ربما من الأفضل العودة إلى زمن الصمت وعصر الورق. زمن الصور الفوتوغرافية التي ترقد في ألبوم الصور.

يوم تسمع بتوفر الكمبيوتر الكمّي تجاريا، ودّع أسرارك، وانتظر القرع على الباب. القادم رجل الأمن، أو أصدقاء ابنك الذي لم تدفع له ما يكفي من الرشوة ليسكت ويسكتون.

صحيفة العرب