الممثل يهزم السياسي – بقلم د. حسن مدن

حسن مدن

السياسيون، أو الكثير منهم، هم ممثلون أيضاً، فهم يحسبون ما عليهم قوله أو فعله، تماماً كما يفعل الممثل حين يلقن الدور الذي عليه أن يؤديه، دون أن يعني ذلك أنه لا مساحة له للارتجال، أو الخروج على النص، ولكن حتى إن فعل ذلك فعليه أن يفعله بمقدار.

إزاء نتائج الانتخابات التي جرت دورتها الثانية الأحد الماضي في أوكرانيا لا مجال للمجاز، فمن حصد أكثر من 70% من أصوات الناخبين ليس سياسياً بارع التمثيل، وإنما هو ممثل بالفعل، ويمكن القول أيضاً إن لا علاقة له بالسياسة، ولكن أصوات شعبه حملته من دائرة التمثيل إلى سدة رئاسة البلاد.

هزم الممثل الكوميدي فولوديمير زلنسكي البالغ من العمر 41 عاماً فقط، الرئيس المنتهية ولايته بيترو بوروتشينكو، رغم أن الأول، حسب التقارير، لم يخض حملة رئاسية عادية بل اختار أن يضفي عليها الطابع المسرحي وأن يعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي، مع أن خبرته السياسية لا تتجاوز تأدية دور رئيس جمهورية في مسلسل تلفزيوني.

يبدو أن الرجل قرّر في لحظة من اللحظات أن يجعل دوره على الشاشة كرئيس مفترض للبلاد حقيقة، فخاض الغمار الانتخابي، وكسب الرهان في النهاية، من حيث توقع أو لم يتوقع.

ليس المراقبون وحدهم من قالوا إن النتيجة مثّلت درساً قاسياً للرئيس الخاسر بوروتشينكو، بل إنه نفسه أقرّ، ومنذ إعلان نتائج الدور الأول للانتخابات، بأن ما جرى هو بمثابة «درس قاس لي»، والأمر جدير بالوقوف عنده فعلاً؛ فما الذي يجعل الناخبين يختارون لأنفسهم رئيساً يعلمون أن لا خبرة سياسية له، ويلحقون هزيمة نكراء برئيس قدّم نفسه كسياسي محنك، قادر على منازلة دولة كبرى مثل روسيا تشدّها إلى أوكرانيا وشائج تاريخية وجغرافية وثقافية وحتى اقتصادية، ومن الواضح أن الغرب يغذي هذه النزعة عنده من أجل الغايات التي تخدم مصالح هذا الغرب لا مصالح أوكرانيا.

لم يجلب تشجيع الغرب للرئيس السابق، ودخوله في مواجهة مع الجار الروسي ما وعد شعبه به من رخاء، فالتقارير تتحدث عن أن أوكرانيا تمر حالياً بأسوأ أزمة منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي عام 1991، ويأخذ الناخبون على بوروتشينكو تقاعسه في محاربة الفساد، بل إن أوكرانيا، والبالغ عدد سكانها 45 مليون نسمة، أكثر البلدان فقراً في أوروبا.

قد لا يحدث الرئيس الجديد انعطافة منتظرة في حياة البلد، ولكن الناخبين باختيارهم ممثلاً أوصلوا رسالة مفادها: لقد ضجرنا من الطبقة السياسية الحاكمة، ونبحث عن بديل!

جريدة الخليج