وداعاً يا حبيب الوطن – بقلم نورة الكعبي

نورة

تعود بي الذاكرة إلى مرحلة الابتدائية، بمدرسة آمنة بنت وهب، في نهاية أحد الأيام، كان هناك رجل يدخل ساحة المدرسة لاصطحاب زوجته إلى البيت، كانت زوجته معلمتي لمادة العلوم واسمها (خلود الصايغ).
كانت والدتي تدير المدرسة، وقد بدت في أحد الأيام مستاءة من مقال نشر في إحدى الصحف المحلية، يصف المدرسة بالصرامة الشديدة، تحدثت أمي عن هذا المقال عبر الهاتف مع كاتب اسمه (حبيب الصايغ).
هذه ذاكرتي الأولى لمعرفتي بحبيب الصايغ…. 
لم يتردد «أبو سعود» في الكتابة عن موقف المدرسة بالرغم من أن زوجته كانت تعمل هناك، بل إنه سرد جميع التفاصيل بحكم معرفته بالنظام التعليمي، وكما كتب لي في آخر رسالة نصية «…… وسوف أتابع بكل موضوعية»، هكذا حبيب الصايغ.. عاش موضوعياً ووطنياً إلى أبعد الحدود، واستمر على هذا النهج حتى الرمق الأخير.
عندما استلمت مهام وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، بدأت أتعرف إلى الشاعر حبيب الصايغ عن قرب، وفي أول زيارة لي في المكتب كنت أناديه ب «عمي حبيب».. ابتسم لي وقال: «عيالنا صاروا وزراء».
أتشرف أني قضيت نحو ثلاث سنوات في العمل، وتعرفت إليه عن قرب، تعلمت منه، وأفادتني ملاحظاته، فكان ثاقب الفكر، مثقفاً وموسوعياً، ولا، ولن أنسى عطاءه ولمساته الإبداعية والإنسانية ما حييت.
كان «أبو سعود» في مكالماته وزياراته، خفيف الروح، عميق الفكر.. لم يتجاوز ربع ساعة في زيارة، أو دقيقتين في مكالمة، لا أحتاج أن أشرح سيرته، وما قدمه للوطن والثقافة العربية، من خلال قلمه وفكره، فكل هذا سيبقى ساطعاً رغم الرحيل، وسيبقى حاضراً رغم حسرة الغياب والفقد. 
ما سيؤلمني حقاً، هو فراقه رغم وجوده في محافلنا الثقافية في الداخل والخارج، وزياراته مع احتساء الشاي على عُجالة لكي «لا يثقل علينا».
عندما نذكر رجالات الوطن، لا بد أن نذكر حبيب، فهو رمز ومثال وطني ومبدع كبير، نتذكر سيرته ومسيرته الزاخرة بالعطاء، نتذكر قلماً مبدعاً بقي حتى آخر ساعة، يكتب في حب الوطن.
«أبو سعود» كان قامة عالية بالبذل والعطاء، وطنياً مخلصاً، إيمانه بأن الوطن والقيادة هم أغلى ما نملك، وهم الدافع لما قدمه.
وكما يقول أبو سعود: «.. وكلنا لإماراتنا الغالية»
طبت بنعيم الجنة يا حبيب الوطن.

وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة

جريدة  الخليج