استحالة القبض على الحلم – بقلم شوقي بزيع

شوقي

إذا كان موت الشعراء في حد ذاته مؤلماً ومريراً بوصفه تجسيداً للتناقض القائم بين دفاع الشاعر عن الحياة وبين السقوط في نقيضها، فإن رحيل حبيب الصايغ مدعاة لآلام إضافية تشكّلت بالنسبة لي، من صداقة وطيدة ربطتني به، ومن إحساس بالخسارة على المستوى الإبداعي، فحبيب لم يكن شاعراً فحسب، بل كان رمزاً لكل ما يجسده الشاعر من حيوية وصخب هادئ.
لقد استمر على الأمل وحده وآمن بالشعر كرصيد إضافي للأرض في مواجهة الظلم والقهر وفقدان الحرية وغياب العدالة.
كان يعبر عن ذلك أحياناً بشكل ساخر، كما في ديوانه الأول «هنا بار بني عبس.. الدعوة عامة»، حيث يختلط الضحك بالبكاء بشكل هستيري وحيث يحوّل الشاعر عنترة بن شداد إلى صرخة عاتية في وجه التشرذم الجديد. ولذلك راح يخاطب حبيبته عبلة: «وحيد أنا ضائع كالفصول، تعالي نكون حيث الخيانة هي الممر الإجباري المهم للكينونة». هذا الشعور الدائم في استحالة القبض على الحلم، بدا أيضاً في مجموعته «ميارى» والتي تعني السراب كما هو حال كل حلم عربي. وفي «وردة الكهولة» كان يشعر بفوات الأوان، وبأن العمر قد لا يتسع لتغيير الأمر الواقع، ولتضييق المسافة بين المتاح وبين المحلوم به.. ولذلك هتف من أعماقه «كبرت وردة الحزن، سوداء معتمة وحميمية في الصدور»..
لقد جمع بين البُعد التأملي والوجودي وبين الغنائية الشفافة والجارحة من جهة أخرى. لم يتردد في استخدام كل الأشكال المتاحة من القصيدة العمودية وصولاً إلى قصيدتي التفعيلة والنثر.. وكل الأساليب المتاحة، حتى الغناء المنفرد والموحش كوحشة البراري حتى استثمار الأصوات المركبة والبعد الدرامي والمسرحة والسرد، ولم يكن حبيب في نثره أقل إبداعاً مما في شعره. ومازلت أذكر كلمته المؤثرة التي ألقاها باسم جريدة «الخليج» في الذكرى الأربعين لتأسيسها في بيروت عام 2010.
لن أقول لحبيب وداعاً، بل أقول له اذهب أنّى تشاء، فلن ترحل إلى مكان أبعد من قلوبنا. 

جريدة الخليج