الوظيفة تعطل الأديب أم تُغنيه؟ – بقلم د. حسن مدن

حسن مدن

في عدد أخير من الأسبوعية الثقافية «أخبار الأدب» ملف عن مكتب الأديب إبراهيم أصلان، حين كان موظفاً في هيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية، تضمّن لقاءات مع زملاء الكاتب الذين عملوا معه في الهيئة على مدار سنوات، وكانت الغاية التعرف إلى ما تركه هذا المكان والمحيط الذي يقع حوله من آثار فيما كتبه أصلان من أدب.

بدأ إبراهيم أصلان حياته الوظيفية بالعمل موزعاً للبرقيات قبل أن ينتقل إلى مبنى الهيئة الذي لا يبعد، حسب مُعد الملف حسن عبدالموجود، سوى مئتي متر فقط عن دار «أخبار اليوم»، حيث ما عليك إلا أن تجتاز شارع الصحافة ثم شارع الجلاء ومنه عبر أي زقاق تجد نفسك أمام المبنى الذي يطلقون عليه اختصاراً: إدارة الاتصالات، حيث التحق أصلان فيها بقسم التلغراف الدولي.

ولأن الملف عني بمسألة دور الوظيفة، الحكومية منها بخاصة، في الإنتاج الأدبي، فإن العدد نفسه من «أخبار الأدب» تضمّن عرضاً لكتاب جديد صدر عن الأديب الكبير نجيب محفوظ، أشهر كاتب مصري وعربي اقترن اسمه بالوظيفة، حيث تُعرفنا كاتبة العرض ناهد صلاح على هذا الكتاب الذي وضعه طارق الطاهر بعنوان «نجيب محفوظ بختم النسر»، ومن ضمن ما وقف عليه الكاتب ما وصفته كاتبة العرض ب «ثنائية المبدع والموظف».

لم يكن نجيب محفوظ، كما يذهب هذا الكتاب، يشبه عثمان بيومي بطل روايته «حضرة المحترم»، الذي رفع من قيمة الوظيفة وجعل منها هدفه الأعلى في الحياة، حتى ضاعت شخصيته وتسربت منه أحلامه في الحب والزواج والإنجاب، وينتابنا الإحساس أن محفوظ في هذه الرواية كان يحكي قصة نموذج عايشه في سنوات الوظيفة التي امتدت معه نحو سبعة وثلاثين عاماً، كما فعل مع نماذج بشرية أخرى صادفها أثناء سنوات عمله، وحوّلها إلى شخصيات روائية.

وهو الأمر الذي بيّنه محفوظ نفسه لرجاء النقّاش حين قال: «أعطتني حياتي في الوظيفة مادة إنسانية عظيمة، وأمدّتني بنماذج بشرية لها أكثر من أثر في كتاباتي، ولكن الوظيفة نفسها كنظام حياة وطريقة لكسب الرزق لها أثر ضار، أو يبدو كذلك، حيث أخذت من عمري سنوات طوال».

والمعنى نفسه أكدّه محفوظ في رده على سؤال وجهه له جمال الغيطاني عما إذا كانت الوظيفة عطّلته عن الأدب فقال: «عطلتني وأفادتني»، وإذا كان واضحاً أنه يقصد بتعطيلها له كمية الوقت الذي استنزفته من عمره، فإنه شرح كيف أفادته: «علمتني النظام، والحرص على أن أستغل بقية يومي في العمل الأدبي قراءة وكتابة».

جريدة الخليج