عقلية التحريم في بلاد العرب والبربر والغرب

أمين الزاوي
تعب المجتمع العربي والمغاربي من فكر التحريم الذي لاحق حتى اللغة فتم تصنيف لغة خاصة بالجنة والأخرى خاصة بالجحيم، وجففوا الرغبة لدى الأطفال في تعلم اللغات وقتلوا اللغة العربية إذ وضعوها في سجن اللاهوت.

أضحت الحياة المعاصرة في مجتمعاتنا العربية والمغاربية ثقيلة جدا، ليس بعامل ضغط الآلة الرأسمالية الهمجية العابرة للقارات فقط ولكن أيضا بما غزاها من فكر “تحريمي” إسلاموي يلاحق المسلم البسيط في كل شيء وفي كل وقت وفي كل مكان.

لقد أصبح الفكر “التحريمي” ظاهرة عابرة للقارات والحدود، يضغط في البلدان الإسلامية كما بين أبناء الجاليات الإسلامية المقيمة في أوروبا وأميركا، كل شيء تحت رقابة “التحريم” الديني، كل حركة محسوبة دينيا، كل فكرة فلسفية أو سياسية أو جمالية تقاس بمقياس ديني.

المسلم البسيط يقضي حياته بين فكّي عبارة “يجوز ولا يجوز″ في المأكل والملبس والمركب والفكر واللغة.

تركب الطائرة فتسمع المسافر بجانبك يقرأ “دعاء المسافر” يسب “من صنع الطائرة”، حتى يثير فيك الرعب وكأن الطائرة متوجهة إلى عالم الآخرة لا إلى مطار من مطارات هذا العالم.

دخل المقدس الشكلي في كل شيء فأنتج “التحريم” ومنه تفرخ “التكفير” وأسس لـ”التخوين” و”الترهيب”.

ونظرا إلى حالة الحصار أصبح المسلم البسيط يمارس دينه خوفا لا إيمانا، يماشي العامة خوفا لا اقتناعا ولا قناعة، وأمام هذا نتجت ثقافة “النفاق” في الدين والسياسة والثقافة.

لاحق التحريمُ المسلمَ في المطعم وحاصره في الملبس، فظهرت موضة “الأكل الحلال” في المطاعم، واستثمر فيها الرأسمال الغربي وغرف أموالا طائلة، مستفيدا من “جهلنا” ومن “سذاجتنا” وتخلفنا.

وفي أوساط الجالية الإسلامية التي تعيش بأوروبا وأميركا وكندا، أصبح التلاميذ يعيشون حالة من الحدود الدينية منذ الصغر، فهذا يأكل شيئا يسمى “حلالا” والآخر يأكل أكلا عاديا، بل وصل هاجس الفكر “التحريمي” عقول الأطفال فأصبحوا يتجسسون على زملائهم من بني عقيدتهم، فإذا ما أكلوا ما يأكله الآخرون استعملوا هواتفهم وصوروهم وهم يأكلون لتوصيل الصورة لآبائهم فتقوم الفتنة والقطيعة ما بين العائلات المنتمية إلى عقيدة الإسلام.

 دخل التحريم في صناعة المواد التجميلية الكوسموتيك، فأصبحنا بقدرة قادر نسمع عن “العطور الحلال” وعن “أحمر الشفاه الحلال” وعن “الماسكارا الحلال”…

واقتحمت “يجوز ولا يجوز″ اللباس ليس للنساء والرجال لكن للدمى أيضا، فتمت أسلمة الدمية الشهيرة “باربي” Barbie وأصبح حلالا على البنات المسلمات اقتناؤها.

لاحق فكر التحريم المسلمَ حتى في المراحيض فأخرجوا نصوصا من الأحاديث ومن التفاسير ومن أقوال الأولين تحدد لنا كيف يجب قضاء الحاجة بطريقة إسلامية!!

تدخل بيتا عليك أن تعرف كي تدفع برجلك اليمنى قبل اليسرى وإلا ذلك حرام، ويخرج المُتَفَقِّهُ نصوصا وتفاسير وقال فلان عن علان عن…

تعب المجتمع العربي والمغاربي من فكر التحريم الذي لاحق حتى اللغة فتم تصنيف لغة خاصة بالجنة والأخرى خاصة بالجحيم، وجففوا الرغبة لدى الأطفال في تعلم اللغات وقتلوا اللغة العربية إذ وضعوها في سجن اللاهوت.

حللوا حروب الفتوحات الجديدة ضد معتنقي الديانات الأخرى، وفتحوا أبواب جهنم على الجميع.

حرّموا كل شيء فاختفت المرأة من الشارع أو كادت وعاد الشارع مليئا بأشباح ضحية “التقميش”، لا لشيء إلا لأن الرجل المسلم لا يستطيع أن يكبح غريزته، ويخرج لك من أجل الدفاع عن ذلك كلاما من كيس الكتب الصفراء.

العلمانية حرام، والديمقراطية حرام، ويخرج لك في هذا الباب أيضا كثيرا من الكلام المُنْتَهي الصلاحية.

المسلم الصادق أصبح يصلي خوفا من عين الآخرين، يلبس خوفا من الآخرين، يصوم كما يصوم الآخرون، يشتري ما يشتريه الآخرون، كل شيء أصبح مراقبا. واختفت الحياة بوهجها، ورمى الشباب بأنفسهم طعما لحيتان البحار.

صحيفة العرب