أسواق الأقمشة – بقلم ابراهيم مبارك

ابراهيم-مبارك

هل تأملت يوماً سوق الأقمشة النسائية الملونة، كيف تبدو في لوحة العرض، أو اصطفاف الطبقات اللونية، وترتيب وتداخل أزيائها وخطوطها مع الألوان التي تتجانس في زاوية وتتنافر في زاوية أخرى؟ هل تحفظ ذاكرتك الأسواق القديمة لباعة الأقمشة كيف ترتب وكيف تعرض؟
تزدحم الذاكرة بالألوان الصارخة، والزخرفات العجيبة والنقوش من الطبيعة كالزهور والأشجار، وتلك التي تنتمي إلى عالم البحار والأسماك وحتى النجوم..
البائع القديم في الدكاكين القديمة حالة خاصة تتناسب مع البضائع. هدوء غير عادي، صبر وجلد نموذجي، فهو مروّج وفنان يوزع ذوقه ونصائحه للزبون.
بائع الأقمشة يختلف عن بائع السجاد، أو بائع المواد الغذائية، أو عن الدلاّل، أو بائع الأسماك أو بائع البطيخ والخضراوات، هناك تحتاج لحنجرة قوية وصوت عال لتسيّر عملك، وهنا لا تحتاج للحركة الزائدة أو حتى الصوت القوي، كل شيء هادئ ورائق والزبائن وحدهم يعرفون طريقك، خاصة النساء. والروائح في أسواق الأقمشة ناعمة وزكية، تأتلف روائح عطورهن مع روائح الأصباغ والأقمشة الجديدة. 
في سوق الأقمشة يمكن أن تعثر على لحظات هدوء وفرح، وكأنك في متحف أو «جاليري» للفرجة، ويمكنك التحليق بعيداً خلف ما يحمله القماش من أعمال فنية وإبداعية. تاجر الأقمشة النسائية يمتاز بالمرونة والليونة والسماحة والهدوء، فهو الصديق المؤقت والزميل الدائم لزبائنه، دائماً ينصح ويُستشار، ويقول رأيه في الجودة والجديد، فهو فنان بحكم الخبرة، خصوصاً أولئك الذين قضوا أعمارهم في المهنة، فهم يتعلمون من الزمن ومن أذواق المشترين وتبدل الفصول، وفهم الذوق العام والخاص لكل بيئة، فأذواق أهل الداخل وعُمان وبعض دول الخليج وما جاورها يختلف عن أذواق الدول الأخرى من الشرق والبلاد الأوروبية أو العربية. بائع الأقمشة يعرف ماذا يقدم لكل زبون حسب بلده وعمره، وعادات بلده، بالخبرة والممارسة واكتساب المعرفة.
في حديث قديم مع الفنانة التشكيلية الإماراتية الدكتورة نجاة مكي، والتي قدمت أعمالاً فنية رائعة عن الأقمشة، وأثر تلك الخطوط والألوان في أعمالها حاضر دائماً، قالت إنها استفادت من سوق الأقمشة ومعروضاته الإبداعية، واستغلتها بحكم أن ذلك السوق كان قريباً من منزلها، فمنذ عهد الطفولة، وهي تطوف بذلك المكان حتى انعكس في لوحاتها الباهرة.

جريدة الاتحاد