حكاياتنا والاستثمار الثقافي الاقتصادي – بقلم د. عائشة الدرمكي

16920193

إذا كانت الحكايات هي الصورة الأخرى للتاريخ الإنساني والعالم، فلأنّها تعبر عن رمزية أفكار المجتمع وتأويله للواقع الذي يعيش فيه، ففهم المجتمعات للظواهر والمتغيرات التي تطرأ على عوالمها، هو الذي يدفعها إلى تخيُّل تلك التصورات والتعبيرات التي تؤسس المدلول الحضاري والثقافي لعالمها وتاريخها الإنساني.

ولهذا فإنّ الحكايات والأساطير أسست نماذج من تصورات الإنسان وقدرته على تأويل واقعه، ورصد أنساقه وأشكله الاجتماعية المتعددة، لنجد أن تلك الحكايات كانت وما زالت في ذاكرة الأمم، تنطلق من المعتقدات إلى آفاق التجلي، لتظهر بأشكال مختلفة تناسب العصر؛ ذلك لأن تلك الحكايات والأساطير التي نشأت منذ أقدم عصور الأمم تُستخدم اليوم بوصفها مجالا ثقافيا، واقتصاديا له تأثير كبير على أفراد المجتمع، ولعل ما تقوم به المؤسسات الكبرى المنتجة للأفلام السينمائية دليل واضح على تلك الصناعة الثقافية والاستثمار الذي أصبح مورداً اقتصادياً مهماً.

إنّ الحكايات والأساطير بوصفها تراثا ثقافيا للأمة يكشف عن عمق تطورها الفكري الفلسفي، الذي يمثل مَكنزا للكثير من الظواهر التي تطرأ على المجتمع، ولهذا تمثل هُوية ثقافية ذات أبعاد حضارية مهمة على المستوى الفكري العام؛ فإذا ما تحدثنا عن تلك الحكايات والأساطير في الخليج العربي، فإنّنا سنلحظ على المستوى العام الغنى الكبير المتعدد الذي تمتاز به المنطقة، من تنوع وتعدد موضوعاتها سواء أكانت (شعبية، أم خرافية، أم أساطيراً)، ومن حيث تعدد آفاقها التي تمثل البيئات المختلفة الحضرية والبدوية الزراعية والبحرية والصحراوية؛ فلكل بيئة حكاياتها الخاصة، وعالمها التخييلي والتأويلي الخاص، بالإضافة إلى تلك المتغيرات التي تطرأ على البيئات المختلفة وسرعة تطورها.

كل ذلك يجعلنا نتساءل (كيف يمكن الاستفادة من هذا الإرث الثقافي الكبير اقتصاديا؟)، ولعل الإجابة عن هذا التساؤل ليست صعبة نظرياً وإنما هي صعبة عمليا، ذلك لأنّنا قد نجد أن هناك بعض الأفلام القصيرة، أو المسلسلات الدرامية، أو حتى النصوص القصصية والروايات التي أفادت من تلك الحكايات، إلا أن ذلك لا يعني أن منطقة الخليج العربي، استطاعت أن تقدم مشروعا ثقافيا يقوم على استثمارها اقتصاديا، فلم نشهد ريادة سينمائية أو مسرحية قائمة على ذلك التراث، أو حتى مستفيدا منه على المستوى السياحي، فلم يتم تأسيس شراكة حقيقية بين التراث الثقافي والاقتصاد الوطني في منطقتنا، على الرغم من تلك المطالبات والأهداف التنظيرية المتعددة، إن هذا الإرث الذي تزخر به المنطقة يمثل قوة اقتصادية قادمة إذا ما تم استثماره بشكل صحيح.

صحيفة الرؤية