دمعة مالحة – شعر حسين درويش

على هذه الطرقاتِ المائلةْ

تدحرجتْ خطواتُ الجيرانْ

مثل نهرٍ حزين

يجرُ عشبهُ الداكن

خلفَ الجسر

تدحرجتْ أصواتُهم

قرب المآذن

عيونهم حزينةٌ متلاصقةٌ

كعربات القطار

مناديلهم رثٌة

مثل معاطف الجنود

مناديهم وبرٌ زائف

ينسدلُ على الصدغين

حيثُ يتدحرجُ الدمعُ

طويلاً كزبد البحر

زبدٌ يجيء من الأعماق

هكذا

مالحاً…

حزيناً…

حائراً…

كقطرة زيت أخيرة في القنديل.

***

كأني أشمُ رائحةَ خبزهم

تفوحُ من أصابعهم

خبزُ الصباح قربَ المواقد…

أو كأني ألمحُ سياط الزمن على جباههم

متغضنةٌ…

غائرةٌ…

ألمحُ بريقَ فرحهم

مثل رايات خفقتْ

مثل جياد صهلتْ

أو مثل ريحٍ حفرتْ

أخاديدَ دموعهم.

***

سلامٌ على خُطاهم

على فيضِ حصاهُم

ملساء صقلها الدمع…

سلامٌ على مسيرهم

مائلٌ مثل شمسٍ خلف التلال

على شفاههم المزمومة

كمساميرِ غائرةٍ في الخشب

كأني أسمعُ دمدمات

لياليهم الموحشة

ألمحُ ضجراً يتماوج كالزلازل في أطرافهم
ش
يلوحُ مثل حربٍ تغذُ خطاها في الطريق

تنحدرُ مثل درب

تتلقفُ خطوات الجيران

حيثُ عيونهم الحزينة تتلاصق

كنوافذ القطار

حيث أسمالهم تتطاير في الريح

تنقل أسرار شتاتهم

إلى قرى التاريخ

أسرارهم مالحةٌ

كدموع المسافرين

كبقعة الحبر على كراسة الأطفال

دموعٌ شجيةٌ… سخيةٌ… حائرةٌ

كقطرة زيت أخيرة

في قنديل الليل.