الحداثة في السعودية – بقلم د. حسن مدن

د حسن مدن

فتحت أجواء الانفتاح المجتمعي والثقافي الجديدة في المملكة العربية السعودية فضاءات كانت مغلقة في وجه قوى الحداثة المجتمعية، خاصة فيما يتصل بالموقف من مشاركة المرأة، وكذلك في المجالين الفني والثقافي، حيث أصبحت مدن المملكة تستقبل الفرق الفنية والموسيقية العربية والعالمية، التي طالما تعطش الجمهور في السعودية لحضور أنشطتها، في مجتمع يدرك كل من يعرفه عن قرب مدى جاهزيته للحداثة التي نضجت مقدماتها الموضوعية الضرورية في مجالات الاقتصاد والإنتاج، وبفضل معدلات التعليم العالية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار عشرات الآلاف من خريجي الجامعات، بينهم الكثير ممن درسوا في الجامعات الأمريكية والأوروبية، ومن الجنسين.

في هذه الأجواء كتب الشاعر السعودي أحمد الملا، وهو من الوجوه المعروفة في الحداثة الشعرية في المملكة، مقالاً في جريدة «الرأي» السعودية يساجل فيه الرأي الذي يُرّوج له بعض دعاة ما عرفت ب «الصحوة» السابقين، الذين يحاولون مجاراة الموجة الجديدة بالقول إن الليبراليين في السعودية يثأرون اليوم من خصومهم، فيقعون في التطرف الذي وقع فيه دعاة «الصحوة» التي أعادت كل العالم العربي وليس السعودية وحدها عقوداً إلى الوراء.

من أجل فهم أفضل لهذا يمكن العودة للكتاب المهم الذي أصدره الراحل الدكتور فؤاد زكريا «الصحوة الإسلامية في الميزان» الذي بيّن فيه أوجه الاستغلال البراجماتي من قبل الجماعات الأصولية للنصوص الدينية، لتحقيق ما نجحت فيه إلى حدود كبيرة وهو الارتداد عن المنجز الحداثي والنهضوي العربي.

محقاً يذهب أحمد الملا إلى أن الليبراليين على خلاف دعاة «الصحوة» يؤمنون بالتعددية والتنوع، وبالتالي فإن الليبرالية، على خلاف أوجه الشمولية كافة هي التي تضمن للجميع الحق في التعبير عن مواقفهم، ويخلص إلى أنه حتى دعاة «الصحوة» أنفسهم سيجدون في الليبرالية، حين يعتمدها المجتمع قاعدة لتنظيم العلاقات فيه، حماية لحقهم في التعبير.

«الصحوة»، برأي الملا، لم تكتف بفرض تصور أحادي على المجتمع بل مارسته عليه لغةً وواقعاً، وحرّضت الجهات الرسمية على المختلفين معها وتجاوزت ذلك حد التشكيك في ولائهم إلى التكفير وإهدار الدم.

نقاش مثل هذا يعكس أن المجتمع السعودي يسير اليوم في الاتجاه الصحيح، حيث تحظى التوجهات الجديدة بدعم الأجيال الشابة المتعطشة للحداثة والجاهزة لها، بدليل أنه ما إن أتيحت لها الفرصة للتعبير عن نفسها حتى برهنت على وعيها بأهمية ذلك، فلم يعد حيز الحداثة ضيقاً مقتصراً على نخبة من المثقفين والفنانين والأدباء وإنما غدت رؤية تستقطب أوسع القطاعات.

جريدة الخليج