وعظ روائي – بقلم شرف الدين ماجدولين

شرف الدين ماجدولين
هل الإبداع مقرون بالعذاب؟ ذلك ما توهمنا به الرواية دوما، لا نكاد نعثر على شخصية كاتب أو رسام… غير مقدود من لهب، الفرح يبدو مجرد لحاء خارجي يداري كآبات مقيمة.

تكتب الرواية في كثير من الأحيان للتطهر من الألم، والشفاء من فتن الجسد والروح، فالرواية بمفهوم ما تمثيل مسترسل لمكابدة الحياة. ويتجاوز الألم الروائي التجليات الموضوعية لمعاناة الحس والذهن، التي تلتبس  بأحوال السقم ومقامات الفقد وأوضاع القهر…

 إنه أيضا الإحساس بالنفي، وانخطاف العمر، والتباس تفاصيل العيش، حين تحولها البلاغة الروائية إلى جماليات متعددة الأبعاد.

ولعل من أكثر الأنواع الروائية إيحاء بالألم، وكشفا لمعانيه، تلك التي يكون موضوعها فنون التعبير الإنساني، ونزوعها الأزلي إلى تطهير المعاناة الإنسانية، بتشكيل الصور وتركيب الأساليب، ونحت الوجوه والأجسام. ولقد شهد تاريخ الرواية تطورا مطردا لسرديات الأشكال التعبيرية، فتواترت النصوص الروائية عن “السينما” و”المسرح” و”الشعر” و”التشكيل” و”الموسيقى” و”الرقص”.

ذلك ما نجده في رواية “جسد وروح” لفرانك كونري، التي تحكي عن عوالم موسيقى “الجاز” في مدينة “نيويورك” في أربعينات القرن الماضي. ورواية “الفردوس على الناصية الأخرى” لماريو فارغاس يوسا، التي تصور حياة التشكيلي بول غوغان ومغامراته في الحياة والأوساط الفنية. ورواية “موت الراقصات” للإسباني أونطونيو صولير التي تتغلغل في الذوات الدفينة لراقصات الفلامينكو، ومساراتهن بين العشاق والسماسرة والمدمنين…

هي كلها نصوص عن اختيارات إبداعية وأشكال وأساليب وتولع مرزئ، وأحلام ليس منها بُرء، تسعى كلها لاستقطار النسغ المتغلغل في الداخل لجروح وانكسارات واكتئاب جهنمي ينتهي أحيانا بإزهاق المهج.

هل الإبداع مقرون بالعذاب؟ ذلك ما توهمنا به الرواية دوما، لا نكاد نعثر على شخصية كاتب أو رسام أو مخرج أو ممثل أو موسيقي، غير مقدود من لهب، الفرح يبدو مجرد لحاء خارجي يداري كآبات مقيمة، في كل هذا تبدو الرواية وكأنما تنهض بدور الكاهن الذي ينصح المؤمنين باتقاء شر ما في كل ذلك المسمى فنّا، الذي يصهر ويلوع ويعزل ويدفع إلى الجنون والانتحار، تقوله دون وعظ ولا رغبة في أن تكون جدية، وإنما بسعي إلى زرع الشك في قرار الوجدان، حول سعادات متخيلة، وتحقق وهمي.

 من هنا تقودك الرواية، على نحو تجديفي، إلى الاعتقاد في جهنمية الفن، تسلمك في النهاية يقينا باردا أن ابتعد تسلم، هي أشياء لا جدوى من الانشغال بها.

في رواية “صهاريج اللؤلؤ” لخيري شلبي، توجد شخصية عازف كمان عبقري، متوحد مع الآلة التي لم تورثه إلا المهانة والكفاف، يعيش بين “الآلاتية” متنقلا بين الأعراس، يبدو سعيدا في أحوال العيش، ميتا في العمق ولا يعطي أي رغبة في خوض التجربة.

صحيفة العرب