قَمَرٌ على بْعَلْبَكَ – شعر محمود درويش

قَمَرٌ على بْعَلْبَكَ

ودمٌ على بيروتْ

يا حلوُ، من صَبَّكْ

فرساً من الياقوتْ!

قل لي، ومن كَبَّـكْ

نهرين في تابوتْ!

يا ليت لي قلبكْ

لأَموت حين أَموتْ

*

 

… من مبنى بلا معنى إلى معنى بلا مبنى وجدنا الحربَ …

هل بيروتُ مرآة لنكسرها وندخل في الشظايا

أم مرايا نحن يكسرنا الهواءُ؟

تعال يا جنديَّ حَدِّثني عن الشرطيّ:

هل أوصلتَ أزهاري إلى الشُبَّاك؟

هل بلَّغتَ صمتي للذين أُحبُّهم ولأول الشهداء؟

هل قتلاكَ ماتوا فيكَ من أجلي وأجل البحر…

أم هجموا عليَّ وجرَّدوني من يد امرأةٍ

تُعدُّ الشاي لي والنّاي للمتحاربينَ؟

وهل تغيَّرت الكنيسةُ بعدما خلعوا على المطران زِيّاً عسكرياً؟

أم تغّيرت الفريسةُ؟

هل تغيرت الكنيسةُ

أمْ تغيَّرْنا ؟

 

شوارعُ حولنا تلتفُّ

خذ بيروت من بيروت، وزِّعها على المدنِ

النتيجةُ : فُسحةُ للقبو

ضع بيروت في بيروت، واسحبها من المدنِ

النتيجةُ: حانةٌ للهو

… نمشي بين قنبلتين

– هل نعتادُ هذا الموت؟

– نعتاد الحياة وشهوةً لا تنتهي

– هل تعرف القتلى جميعاً؟

– أعرف العُشَّاق من نظراتهم

وأرى عليها القاتلات الراضيات بسحرهن وكيدهن

 

… وننحني لتمرَّ قنبلةٌ؟

نتابعُ ذكريات الحربُ في أيّامها الأُولى

– تُرى، ذهبتْ قصيدتُنا سدى؟

– لا… لا أظُنُّ

– إذن، لماذا تسبقُ الحربُ القصيدةَ

– نطلبَ الإيقاع من حجر فلا يأتي

وللشعراء آلهة قديمة

 

… وتمرُّ قنبلةٌ، فندخل حانةً في فندق الكومودور

– يُعجبني كثيراً صمتُ رامبو

أو رسائلُه التي نطقتْ بها إفريقيا

– وخسرتُ كافافي

– لماذا ؟

– قال لي: لا تترك الاسكندرية باحثاً عن غيرها

– ووجدتُ كافكا تحت جلدي نائماً

وملائماً لعباءة الكابوس، والبوليس فينا

– إرفعوا عنِّي يديّ

– ماذا ترى في الأُفق ؟

– أُفقاً آخراً

– هل تعرف القتلى جميعاً ؟

– والذين سيُولدون …

سيولدون

تحت الشجرْ

وسيولدون

تحت المطرْ

وسيولدون

من الحجرْ

وسيُولدون

من الشظايا

يولدون

من المرايا

يولدون

من الزوايا

وسُيولدون

من الهزائم

يولدون

من الخواتم

يولدون

من البراعم

وسيولدون

من البداية

يولدون

من الحكاية

يولدون

بلا نهايةْ

وسيولدون، ويكبرون، ويُقتلون،

ويولدون، ويولدون، ويولدون

 

(محمود درويش 1941 ـ 2008)