فتحية النمر: لا أخجل من إصداري الأول

تنظر الكاتبة فتحية النمر إلى الإصدار الأول للكاتب، بوصفه يجسّد مرحلة يجب أن تحترم، وألا يتم تجاهلها، أو الخجل منها، وهي تؤمن أن الحكمة هي ضالة المثقف والأديب، الذي كلما قرأ وتعلم، تخلص من جزء من جهله، كما تؤمن بضرورة تنوع قراءات الكاتب، وعلى المستوى الشخصي، فهي تقرأ في أكثر من حقل معرفي، كما تحضر لرواية جديدة تلعب فيها على تقنية الزمن.

كانت رواية (السقوط إلى أعلى) هي الإصدار الأول لفتحية النمر، وهي تعتز بهذه التجربة وتقول: «هذه الرواية قريبة من قلبي، وأشعر بالظروف التي أسهمت في إنتاج هذا الإصدار، لأنني كتبته بخلفية ثقافية روائية بسيطة جداً، ومعتمدة على العاطفة والحدس»، وتتابع: «في بداياتي لم أكن من هواة الرواية، كانت اهتماماتي تنصب على كتب الفلسفة، وعلم النفس والتربية، وتطوير الذات، فضلاً عن كتب الشريعة الإسلامية، ولكنني مرة واحدة ولظروف خاصة، وجدت نفسي أكتب نصاً أدبياً، أطلقت عليه ذلك الاسم».

وفتحية النمر بخلاف بعض الكتّاب الذين لا يذكرون إصداراتهم الأولى، أو يخجلون منها، تعتقد أن الإصدار الأول لأي كاتب يفتح نافذة على بداياته، ويضيء على حساسية هذه البدايات، فتقول: «أنا أقف على النقيض من بعض الكتاب الذين يتبرّؤون أو يخجلون من بداياتهم، فلا يروّجون لكتبهم الأولى، ويحرصون على أن تظل محتجبة في غياهب النسيان، لكي يقنعوا الآخرين بأنهم قد بدأوا كباراً، فمن يصدق هذا؟، كلنا بدأنا من الصفر، وكلنا عشنا محطات مختلفة في حيواتنا، وكلنا تعثرنا، وأخطأنا، وبعضنا توقف، في حين أن غيرنا واصل ووصل إلى المكانة التي يستحقها».

معرفة النفس

تأثرت فتحية النمر بمجموعة لا حصر لها من الكتاب والإصدارات، على سبيل المثال «حوار مع صديقي الملحد» للدكتور مصطفى محمود، كما تضيء على جانب من قراءاتها في مختلف الحقول، والتي تختلف تبعاً للحظة الزمنية والاجتماعية والمهنية وسواها، وتقول: «عندما كنت تربوية ومربية، كان أكثر ما يشغلني هو التدريس والتفاعل مع الإدارة الصفية، والامتحانات، ومادة التخصص، وكنت أقرأ في هذه الحقول ليل نهار، وأجرب كل الطرق والوسائل حتى أستفيد من موضوعاتها التي تدعم اهتمامي التربوي».

وتضيف: «اليوم حين أصبحت كاتبة، وحقلي هو الرواية، ولأنني لا أحب الاقتصار على لون واحد، ولأنني مؤمنة أن الثقافة والحكمة، هي دائماً وأبداً ضالة المثقف والأديب، الذي كلما قرأ وتعلم وتخلص من جزء من جهله، شعر بنفسه يزداد جهلاً، كما أعلنها سقراط معرّفاً الفضيلة بعبارة (اعرف نفسك أي تعرف على قدراتك)».

وفتحية النمر تؤمن بأهمية تنويع القراءات وعدم الوقوف عند حقل إبداعي واحد، فهذه كلها مصادر للمعرفة تثري الكاتب، وتعينه على تقديم الأجمل والأفضل والمغاير، تقول: «كلما قرأنا كأشخاص عاديين، أو مثقفين، أحسسنا بأن هناك مجاهيل كثيرة، ومساحات تنتظر أن نمسح عنها الغبار، وفي كثير من الأحيان أخاف أن ينتهي العمر، دون أن أكشف عن بعض تلك المساحات التي من خلالها يحقق الكاتب أبسط شروط موضوعه الثقافي، وهو الابتكار والخلق والإبداع».

منذ بدأت فتحية النمر الكتابة، وهي تتبنى مشروعاً ثقافياً يركز على الإمارات، وعن الأمكنة والبشر فيها، وعلى المرأة الإماراتية بشكل خاص، حيث تقول: «دائماً أتخيل المرأة الإماراتية مكافحة، وقوية، ومؤثرة، وبيدها قرار تغيير الأمور لصالحها رغم صعوبتها، وأنا لا أنطلق من فراغ أو من أوهام، بل أنطلق من الواقع، الذي أستمد منه شخصيات أعمالي الرئيسية، ولأن الطريق عندي واضح ومفهوم، فإنني أحقق في كل يوم نمواً جديداً يضيف إلى رصيدي الثقافي».

وتتابع: وكلما أنهيت رواية، أسرعت نحو أختها، لذا، فأنا في عمل يومي مستمر لا يتوقف، رغم كل الظروف المحيطة، والتي ربما لا تكون في صالحي، وكما يوجد هناك من يؤازر المبدع، فهناك الأنانيون والمحبطون، الذين لا يفهمون معنى أن تحتل الكتابة والقراءة صدارة اهتمام الكاتب، وهناك الكثير المعوقات والنقد الجارح، لكنني بفضل الإرادة والصبر، تغلبت على أكثرها، وفضلاً عن قيامي بكتابة سلسلة من الروايات، فأنا أكتب القصة».

1

وسائل المعرفة

تؤمن فتحية النمر بأهمية تعدد وسائل المعرفة اليوم، التي تجاوزت الكتاب الذي كان المصدر الوحيد المتاح أمام المثقف والمهتم، فهناك الكتب الإلكترونية، وتقول:«اعتدت أثناء مرحلة التخطيط للرواية، أن أجمع مادة ثقافية وفكرية حول موضوعها وشخصياتها، ومكان وزمن الأحداث، ففي روايتي «سيف» ثمة معلومات جيدة عن الزهايمر، وفي «فتنة الداعية» يتعرف القارئ على أشكال الدعاة، ومساوئهم، وعيوبهم، وأهدافهم الخفية، وفي «حب التنين» وقفت على معلومات ثرية لها صلة بالحياة الصينية، لكون الشخصية المحورية من الصين، وفي «نزيل الغرفة رقم 4» ثمة وفرة عن الديانات والمذاهب الدينية غير الإسلام، كالبوذية والأزيدية وغيرها».

ليس في بيتنا رجل

وحول الكتاب الذي تعمل عليه فتحية النمر، أوضحت أنها تشتغل على رواية عنوانها ( ليس في بيتنا رجل)، وهي جديدة من حيث تقنيتها فتقول:«الجديد في الرواية، هو تقنية الزمنين المتوازيين المتبعين في سرد الأحداث، الأول حديث، ويمتد من الخمسينات إلى أول ثمانينات القرن الماضي، والثاني قديم، ويبدأ بالثلاثينات وينتهي بالخمسينات، أما أحداث الرواية، فتقع بين الشارقة ورأس الخيمة، لذا فقد احتجت لأقرأ كثيراً، وجمعت معلومات غزيرة، ولم أكتف بهذا، بل رحت أسأل الأفراد ممن شهدوا هذه المراحل، ومنهم أناس عاديون، ومنهم متخصصون، وأنا سعيدة بتعاون هؤلاء جميعا».

www.alkhaleej.ae