في حب المنجد عبده وازن

abdowazn

بيني وبين «المنجد» صداقة ترجع إلى زمن الفتوّة. كان هذا القاموس العربي مرجعي الأول في مطلع عهدي الأدبي، قراءة وإنشاء وكتابة. ولا يزال حتى اليوم الرفيق الذي يلازمني في شؤون اللغة وأسرارها، على رغم اتكائي أيضاً على «محيط المحيط» للمعلم بطرس البستاني و «لسان العرب» الذي أمتلك منه صيغتيه، الأصيلة والحديثة التي أعيد فيها تبويبه ألفبائياً وبحسب أوائل الأصول. لا يغني «المعجم» الذي تحتفل دار المشرق والجامعة اليسوعية في بيروت بالذكرى المئة وعشر سنوات لصدوره، عن المعاجم الأخرى، لكنه غالباً ما يلبي حاجة القارئ والأديب ويضع بين يديهما ما يبغيانه، بسهولة وسلاسة وشمول، في مسائل اللغة والمترادفات والتعابير. ولعل ما يسم هذا «المنجد في اللغة والإعلام» هو طابع التجدد الذي يلازمه، فما إن تنفد منه طبعة حتى تصدر أخرى مزيدة، وقد تخطت طبعاته حتى الآن الأربعين، وهذا رقم لم تعرفه معاجم أو قواميس عربية معاصرة. وقد يقارب هذا «المعجم»، في تقنياته القاموسية ومنهجيته الحديثة، معاجم اللغات الأجنبية التي ترافق التطور الذي يطرأ على اللغات. وقد عمدت دار المشرق وفريقها القاموسي إلى إصدار معجم حديث هو «المنجد في اللغة العربية المعاصرة»، وغايته مرافقة اللغة الراهنة وما تشهد من جديد في الاشتقاقات والاصطلاحات والتعابير أو المفردات المعربة والمعاني المستحدثة التي تواكب الثورات التقنية المتوالية. ويضمّ هذا المعجم معظم المفردات والعبارات التي يحتاج إليها مثقَّف القرن الحادي والعشرين، والتي ترصد تطوّر الحياة الراهنة علميًّا وتقنيًّا وفنِّيًّا.

ولئن كان الأب اللبناني لويس معلوف هو الذي ألّف «المعجم» ووضع مداميكه الأولى عام 1908، فهذا «المعجم» سرعان ما شرع يتطور وينمو وراحت تزداد صفحاته ومفرداته، ثم أدخلت عليه دار المشرق مادة بصرية من رسوم وصور وخرائط، لا سيما بعدما أصبح قاموس الأعلام الذي يضمه، حاجة للقراء على اختلاف نوازعهم. وقد شاركت في توسعة «المعجم» على مرّ السنين، أسماء مرموقة ومتضلعة من شؤون العربية. وأعترف أنني أقرأ باستمرار قاموس الأعلام الذي يؤلف الجزء الثاني من «المعجم»، لا بحثاً عن وقائع أو معارف فقط، بل وقوفاً عند الأسلوب الذي صيغت فيه المعلومات، وهو يفيض بلاغة وسلاسة غالباً ما تفتقدهما القواميس الحديثة. أما ما يجذبني كثيراً في «المعجم» فهو باب «فرائد الأدب» الذي يتفرد به عن سائر المعاجم، وفيه يجد القارئ سيلاً كبيراً من التعابير التي ذهبت مذهب الأمثال أو المأثورات.

لا شك في أن «المنجد» أضحى مرجعاً فريداً، بعدما بلغت مبيعاته أرقاماً عالية منذ صدوره، وغزا مكتبات المدارس والجامعات ومراكز البحوث علاوة على المكتبات الشخصية، من المحيط إلى الخليج، فإلى أقاصي الهند وإندونيسيا، وأواسط البلدان الأفريقيّة. وفي إيران، تم تزويره وحذفت منه عبارة «الخليج العربي». وقرصن «المنجد» مرات في عواصم عربية، ولا يزال يقرصن نظراً إلى رواجه.

تحتفل دار المشرق بالذكرى المئة وعشر سنوات على صدور الطبعة الأولى من «المنجد»، لكنّ اسم المكتبة الشرقية التي تولت نشر هذا القاموس الفريد عربياً وعالمياً يغيب عن الاحتفال بعد الخلاف الذي نشب بين المكتبة ودار المشرق، وهذا مما يدعو إلى التأسف. فمن غير المعقول أو الممكن أن تغيب المكتبة الشرقية العريقة في عالم النشر والأدب عن الاحتفال بـ «المنجد» الذي دأبت منذ العام 1948 على توزيعه والترويج له، بصفته صنيعاً لغوياً فريداً، وكان لها حقاً فضل في صنع جزء من أسطورة هذا «المعجم».