الشعر من باريس إلى ساو باولو – بقلم يوسف أبو لوز

يوسف-ابو-لوز

من التقاليد الجديدة والعملية التي أرساها مشروع الشارقة الثقافي، تقديم الشعر في الإمارات إلى العالم عبر ترجمته إلى لغات حيّة، سواء ترجمة مختارات يحدّدها الشاعر، أو ترجمة دواوين، وأكثر من ذلك قرأ قبل فترة في معرض باريس الدولي للكتاب عدد من الشعراء والشاعرات نصوصهم الإبداعية المولودة أصلاً من روح البنية الإماراتية وتراثها الثقافي واتصالها بالحداثة الشعرية في العالم.
شعراء وشاعرات الإمارات في التظاهرة الثقافية الباريسية لم يكونوا في منأى عن الشعر الفرنسي ورموزه الكبرى: سان جون بيرس، رامبو، بودلير، ايڤ بونفوا، جاك برفير، لويس أراغون، وغيرهم من صنّاع الشعرية الأوروبية الحديثة. وحين قرأ هؤلاء المبدعون في جناح «الشارقة ضيف شرف معرض باريس الدولي للكتاب» إنما كانوا يحملون ثقافة بلادهم، ويتعايشون في الوقت نفسه مع الثقافة الأدبية الأوروبية أو الغربية.
نشير إلى هذه المعطيات الثقافية الإماراتية-الفرنسية قبل شهور في معرض كتاب باريس، لأن الأمر نفسه، وبالحيوية نفسها يتكرر في معرض ساوباولو للكتاب في البرازيل. هناك، الآن، في بلد الرّوح الّلاتينية شعراء وشاعرات من الإمارات شيقرأون نصوصاً تعبّر عن مراحلهم الشعرية، ويجري نقلها إلى الإسبانية أو البرتغالية بترجمة فورية كما جرى في باريس، نقل الشعر الإماراتي في ترجمات فورية مهنية.
وللحق، أشير بشكل خاص إلى جهد الشاعر اللبناني الصديق عبده وازن في نقله وبترجمة فورية نصوصاً إماراتية إلى الفرنسية، هو الكاتب والصحفي الثقافي العارف بالأنوار الشعرية الباريسية، سواء عبر القراءة والعمل الثقافي أو عبر العيش لفترة من الزمن في مدينة النور.
هذه الحالة الحضارية الثقافية التفاعلية والتشاركية تجري في معرض ساوباولو للكتاب، والشعر هو المكرّم والمحترم في هذه التظاهرة الثقافية التعايشية.. الشعر العربي، وشعر البلدان التي تذهب إليها الشارقة ضيف شرف أو بمشاركاتها المنتظمة في معارض الكتب العربية والأجنبية.
لقد أصغينا في باريس قبل شهور إلى شعراء فرنسيين شباب، وهؤلاء أصغوا لنا أيضاً، لمسنا روح كتابة أوروبية جديدة، وهم أيضاً لمسوا روح كتابة عربية جديدة، والأمر نفسه يتكرر في البرازيل، لكن، من المهم الإشارة هنا إلى الجمهور، وهذه نقطة قلّما توقف عندها الصحفيون والإعلاميون المهتمون بفعاليات الشارقة الثقافية في معارض الكتب.
كان غالبية الجمهور الفرنسي الذي كان يتردد على جناح الشارقة في معرض باريس الدولي للكتاب من الشباب، وأحسب أنهم طلبة ثانوية وطلبة جامعات، لقد كانت هذه هي ملاحظتي بدءاً من حضورنا إلى الجناح عند العاشرة صباحاً، وحتى ما بعد المساء. طلبة وطالبات كانوا يملؤون فضاءات جانبية للمعرض، ويدفعهم فضولهم إلى الإصغاء للعربية المنطوقة بالشعر، والكثير من توقيعات الكتب المترجمة إلى الفرنسية ذهبت إلى طلبة ثانويين أو جامعيين.
كان لي الشرف أن نقلت هيئة الشارقة للكتاب مجموعتي «زوجة الملح» كاملة إلى الفرنسية، وإذ أوقع ذات صباح باريسي ماطر إحدى النسخ لطالبة جامعية، أخذت تقرأ من المجموعة لرفيقاتها بالفرنسية، ولك هنا أن تراقب إيقاع وجه الإنسان الأوروبي وهو يستمع إلى شعر عربي، ولكن بلغة بلده.
قدمتنا الشارقة إلى العالم، من أوروبا ذات المركزية الثقافية إلى أمريكا اللاتينية ذات الشفافية الإنسانية، والشعر عنواننا الذي لا يتغيّر.
غداً أكمل.

جريدة الخليج