أوقفوا استنزاف الإعلام المحلي – بقلم عبد الحميد أحمد

5520184

«فيس بوك» و«غوغل» يستقطبان عائدات الإعلانات، ولا يتركان للصحف المحلية سوى الفتات.

في هذه الأوقات العصيبة، والأمواج العاتية التي تبحر فيها جميع وسائل الإعلام – المطبوعة منها والمقروءة عبر الإنترنت، والمشاهَد منها في التلفزيون أو المسموع في الإذاعة – ينبغي أن نبذل كل جهد لإنقاذ وتأمين مستقبل دور الإعلام. وأعني هنا وسائل الإعلام المحلية، التي نمت وكبرت مع البلاد على مدى العقود الأربعة الماضية، وأقامت دور نشر خاصة بها، وتمثل أهم جزء من تراث الإمارات العربية المتحدة؛ وتشكل جزءاً لا يتجزأ من نسيج هذا المجتمع.

لدينا هنا في دولة الإمارات العربية العديد من المطبوعات باللغتين العربية والإنجليزية، معظمها مملوك للدولة، وعدد قليل منها ينتمي للقطاع الخاص. ولدى معظم هذه الصحف طبعات على الإنترنت، وهذه الطبعات هي امتداد للنسخ المطبوعة، لكنني أشعر بالأسف والحزن عندما انظر إليها على مدى السنوات الثلاث الماضية. أنا لا أتحدث عن نوعية الصحف، هذه قضية أخرى، وإنما أتحدث عن حقيقة أنها بدأت تجف مالياً، وستضطر قريباً إلى إغلاق أبوابها.

ظللت أعمل في مجال الصحافة لأكثر من 35 عاماً، حيث بدأت حياتي العملية من صحافي، لمحرر، لرئيس قسم، ومدير تحرير، ثم لرئيس تحرير ومدير نشر. ولم أرَ قط طوال هذه المدة وسائل إعلامنا تنحدر لهذا الوضع البائس مثلما هي حالها اليوم.

اتخذت جميع المؤسسات الإخبارية خطوات جذرية لمعالجة هذا الوضع الخطير. ولجأت لتخفيض التكاليف عن طريق تقليل عدد النسخ المطبوعة، وخفض عدد الصفحات، واضطرت إلى اتخاذ القرار المؤلم المتمثل في تخفيض عدد الموظفين، وبعضهم ظل يعمل في الصحيفة لعقود عدة، إلا أن جميع هذه التدابير الرامية إلى خفض التكاليف لم تمثل الحل. ويستمر استنزاف المؤسسات الإخبارية بشكل كبير، خصوصاً بسبب ارتفاع تكاليف كل شيء تقريباً بصورة كبيرة، من ورق الصحف، إلى الحبر، إلى القوة البشرية والمرافق العامة.

ويأتي في قمة هذه المشكلات سوق الإعلان المتقلص، فقد توقفت الشركات عن الإعلان في الصحف المطبوعة، وإذا سألتها عن السبب تجيبك في الحال بأنها تفضل الإعلان عبر الإنترنت، ولكن نحن لدينا أيضاً إصدارات عبر الإنترنت، وفي الواقع لدى جميع الصحف تقريباً إصدارات عبر الإنترنت، وتحظى بعدد كبير جداً من الزيارات، حيث تحصل على ملايين من المشاهدات عبر صفحاتها، وتستأثر بزوار مميزون، لكن الحقيقة أن الإنترنت لا تحقق عائدات كافية لتغطية تكاليف الصحيفة بشقيها، المطبوع والرقمي.

وما يجعل هذا الوضع المأساوي أكثر سوءاً، أن المعلنين أداروا ظهورهم أيضاً لوسائل الإعلام المحلية، وصاروا يركضون وراء عمالقة دوليين مثل «فيس بوك» و«غوغل». ونشعر بالسعادة بعد أن نرى أن بعض الأرباح يعود إلينا على شكل إعلانات عبر الشبكة. لكننا لسنا سعداء لأن هذه الإعلانات لا تدرّ سوى نذر يسير من العائدات المالية، مقارنة بالأموال الضخمة التي يجنيها كل من «فيس بوك» و«غوغل» وشركاتهما الشقيقة. إذن ما الذي يمكن أن تفعله الصحف إذا كان هؤلاء اللاعبون الرقميون العالميون الكبار، هؤلاء العمالقة، قد استأثروا بنصيب الأسد المتمثل في 90% من الإيرادات المقدرة لوسائل الإعلام الرقمية الوطنية، إن لم يكن أكثر؟ أعرف أن حكومات الدول الأخرى وقفت إلى جانب وسائل الإعلام الوطنية، وحاولت حماية مصالحها، حيث فرضت هذه الحكومات ضريبة يتعين على هؤلاء العمالقة دفعها نظير الأنشطة التي يؤدونها في هذه البلدان، والإيرادات التي يحصلون عليها نظير ذلك. أنا أتطلع إلى أن يحدث هذا هنا من خلال التشريعات الحكومية. وأحلم بأن يتخذ المجلس الوطني للإعلام مبادرة ليجعل هذا الأمر واقعاً ملموساً. وأتطلع إلى أن تخضع هذه الكيانات الكبيرة لضرائب على الأعمال التي تقوم بها هنا. وأن يتم توزيع هذه الضرائب التي تم تحصيلها من هؤلاء العمالقة على وسائل الإعلام الوطنية، لمساعدتها في البقاء على قيد الحياة.

ما الحلول إذن؟ لست أدري، فنحن نعيش في أوقات مضطربة، لكنني أدرك على وجه اليقين أن وسائل الإعلام المحلية يجب أن تبقى على قيد الحياة لأنها الأدوات الحقيقية للبلاد، فهي التي تمدنا وتنورنا بالأخبار الحقيقية. وسائل الإعلام المحلية ذات صدقية عالية، فهي تعرف البلاد وتفهم المجتمع، ومن هنا تأتي موثوقية ودقة أخبارها، أما البديل فهو أن تطغى وسائل الإعلام الأجنبية، ولن يصب ذلك أبداً في مصلحتنا الوطنية.

جريدة الامارات اليوم