من بلاغات الأجوبة – بقلم خالد القشطيني

15520.8

كثير من الأجوبة والتعليقات والحكميات تجمع بين الظرف والنصح، وترد بصيغة الجواب على سؤال أو تعليق على قول. ويغص الأدب العربي بأمثلة رائعة منها. وإليكم طائفة من ذلك.
سألوا رجلاً ركب البحر وعاد سليماً: ما أعجب فيما رأيت من ذلك؟ قال: «سلامتي». وسمع ابن الأعرابي رجلاً يقول لآخر: أتوسل إليكم… فقال له: «جمعت بين ساكنين»!
نظر رجل إلى أخوين لأب وأم، أحدهما جميل والآخر قبيح، فقال: ما أمكما إلا شجرة تحمل سنة موزاً وسنة عفصاً!
وشكا ضرير شدة ما يعانيه من العمى، فقال له أعور: عندي نصف الخبر. ورأى بعضهم شيخاً قد انحنى ظهره، فقال له: يا شيخ بكم القوس؟ فقال: إن عشت أخذته بلا شيء!
وكان بعض الظرفاء إذا سمع أحداً يتحدث بشيء بارد وممل قال له: «اقطع حديثك بخير». وقيل لرجل سئم من زوجته: «أتحب أن تموت امرأتك»؟ فقال: لا. فسألوه: لم ذلك؟ فأجاب قائلاً: «أخاف أن أموت من الفرح».
قال الجماز لأبي شراعة: كيف تجد نفسك؟ فأجاب وقال: أجدني مريضاً من دماميل قد خرجت في أقبح المواضع. فقال له الجماز: «ما أرى في وجهك منها شيء».
وحكى الأصمعي فقال: جاءت عجوز إلى عبد الله بن جعفر، فقال لها: كيف حالك يا عجوز؟ قالت: ما في بيتي أي جرذ. فقال: «لقد أطلقت المسألة. لأملأن بيتك جرذاناً»!
وكان سيد الظرف، الجاحظ، قصير القامة، فقال: «رأيت بالعسكر امرأة طويلة جداً، ونحن على طعام. فأردت أن أمازحها، فقلت لها: انزلي حتى تأكلي معنا. فقالت له: وأنت فاصعد حتى ترى الدنيا»!
وبكت عجوز على ميت، فقيل لها: بماذا استحق هذا البكاء منك؟ فقالت: جاورنا وما فينا إلا من تحل عليه الصدقة، ومات وما فينا إلا من تجب عليه الزكاة.
وقال رجل لامرأته: أمرك بيدك. فقالت: قد كان في يدك عشرين سنة فحفظته، فلا أضيعه أنا في ساعة. وقد رددته إليك.
إن شكوى النساء من انشغال أهل العلم بالعلم ظاهرة معروفة، وطالما خبرها زملاؤنا من الأدباء والباحثين، وكانت كذلك عند السلف كما يروي الرواة. حكى الزبير بن بكار قائلاً: قالت بنت أختي لأهلي: خالي خير رجل لأهله. لا يتخذن ضرة، ولا يشتهي جارية. فقالت الزوجة: والله لهذه الكتب التي كتب أشد علي من ثلاث ضرائر!
وحكى أبو عبد الله بن المحرم فقال: لما حملت إلي المرأة، جلست في بعض الأيام أكتب شيئاً كالعادة، والمحبرة في يدي، فجاءت أمها وأخذت المحبرة وضربت بها الأرض وكسرتها، وقالت: هذه شر على ابنتي من ثلاثمائة ضرة!

جريدة الشرق الاوسط