أصبحت أتفاءل بلقاءاتك يا دكتور – بقلم علي عبيد الهاملي

علي عبيد الهاملي

في 24 سبتمبر 2014 التقيت في مركز الأخبار، التابع لمؤسسة دبي للإعلام، عالم الفضاء العربي الشهير الدكتور فاروق الباز. كان الدكتور الباز وقتها يزور دولة الإمارات بدعوة من ندوة الثقافة والعلوم بدبي في افتتاح موسمها الثقافي، لإلقاء محاضرة عن دخول الإمارات عصر الفضاء، بعد إعلان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عن إنشاء وكالة الإمارات للفضاء.

وقتها رأينا في مركز الأخبار أن نستغل زيارة الدكتور الباز، فسجلنا معه حلقة خاصة من برنامج «قابل للنقاش» حول دخول الإمارات بشكل رسمي عصر الفضاء، وخلفيات هذا القرار التاريخي.

وكان الدكتور الباز قد قابل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان،طيب الله ثراه، عام 1974 عندما كان في زيارة إلى دولة الإمارات بتكليف من الحكومة الأمريكية لتصفية الأجواء مع الدول العربية، والخليجية منها على وجه الخصوص، بعد فتور العلاقات بينها وبين الدول الغربية، على أثر قرار قطع النفط عن الغرب خلال حرب أكتوبر 1973. ثم قابله مرة ثانية عام 1976 عندما زار دولة الإمارات، مع مجموعة من رواد الفضاء الأمريكيين، لشرح برنامج الفضاء الأمريكي، وجهود وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» في هذا المجال.

ويوم الثلاثاء الماضي 24 سبتمبر، التقيت الدكتور الباز في مركز الأخبار أيضا، وهو يحل ضيفاً على المركز هذه المرة، للمشاركة في التغطية التلفزيونية الضخمة، التي أعدها ونفذها مركز الأخبار التابع لمؤسسة دبي للإعلام، لإطلاق رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري، الذي دخل التاريخ يوم الأربعاء الماضي بتسجيل اسمه أول رائد فضاء إماراتي، حملته المركبة الروسية «سويوز أم إس 15» إلى المحطة الدولية، في إنجاز تاريخي يسجل لأبناء الإمارات، الذين يوقدون شموع الأمل في هذا الزمن الذي يطبق الظلام فيه على أرجاء واسعة من العالم العربي، ويريد الظلاميون فيه إعادتنا مئات الأعوام إلى الوراء، عبر الأوهام التي ينشرونها بين الأجيال الجديدة من الشباب، مستغلين مشاعر الناس الدينية، وتطلعاتهم إلى عصر جديد تقوى فيه شوكة الأمة، كما يروجون، وتستعيد فيه مجدها التليد على أيديهم، غير مدركين أن هذه الأيدي ملطخة بدماء الأبرياء من أبناء أمتهم، وأبناء الأمم الأخرى التي يحاربونها بحجج باطلة، تنطلي على المخدوعين بهم، لكنها أوضح من قرص الشمس أمام الذين يدركون ويتفكرون ويعقلون.

كانت جلسة يوم الثلاثاء الماضي مع الدكتور الباز طويلة وممتعة. استعاد خلالها الدكتور ذكرياته عن زيارتيه الأولى والثانية لدولة الإمارات، وحديثه مع الشيخ زايد، عليه رحمة الله، مؤكداً أنه من بين كل القادة العرب الذين التقاهم خلال الجولتين، كان الشيخ زايد، عليه رحمة الله، الوحيد الذي أبدى اهتماماً بالفضاء وبرامجه. حيث كان يستفسر عن كل صغيرة وكبيرة، ويسأل أسئلة دقيقة لم تكن تخطر لرواد الفضاء على بال عن حياتهم في الفضاء، وكيف يتدبرون شؤونها اليومية مثلما كانوا يعيشونها على الأرض. ويتذكر الدكتور الباز كيف أنه حضّر نفسه والرواد الأمريكيين للرد على هذه الأسئلة، كي لا يفاجئهم سؤال لا يملكون إجابته، ورغم هذا فقد كانت بعض أسئلة الشيخ زايد، عليه رحمة الله، غير متوقعة.

يستذكر الدكتور الباز الحوارات التي تمت خلال تلك اللقاءات، ويحاول أن يربط بينها وبين ما تحقق على أرض دولة الإمارات خلال أقل من نصف قرن من الزمان، وهي فترة بمقياس أعمار الشعوب قصيرة، لكن ما تحقق خلالها على أرض الإمارات، كما يقول الدكتور الباز، كبير وكثير بكل المقاييس.

وعندما نتحدث عن هذا الذي تحقق فنحن لا نقصد النهضة العمرانية فقط، وتحويل الصحراء إلى مدن حديثة، وإنما نقصد النهضة العلمية، التي نقلت إنسان الإمارات من الأمية التي كانت سائدة في زمن ما قبل قيام الدولة، إلى دراسة وإتقان العلوم المتقدمة والحديثة، إلى الدرجة التي جعلت دولة الإمارات تنافس الدول الكبرى في مجال العلوم، وتنطلق معها إلى الفضاء، بدءاً من تصنيع القمر الاصطناعي «خليفة سات» بأيدي مهندسين إماراتيين 100% عام 2018، إلى إرسال أول رائد فضاء عربي إلى محطة أبحاث فضائية هذا العام، وليس انتهاء بالتخطيط للوصول إلى المريخ مع احتفال الدولة بيوبيلها الذهبي، عبر «مسبار الأمل» الذي سيكون أول مسبار عربي إسلامي يصل إلى المريخ عام 2021 إن شاء الله تعالى.

يتساءل البعض: هل ارتياد الفضاء ترف نحن في غنى عنه، في ظل التكاليف العالية التي تتطلبها رحلات الفضاء؟ ويجيب الدكتور الباز: «الجهلة لا يقدرون أهمية دراسات الفضاء. وتكفي الإشارة إلى أن الدراسات الحديثة أثبتت أن كل دولار تم إنفاقه في الولايات المتحدة الأمريكية على مجال أبحاث الفضاء درّ دخلاً قيمته 142 ضعفاً».

ويتابع: «لم يكن من الممكن أن نستمتع بثمار الاختراعات الحديثة دون هذه الدراسات المرتبطة بالفضاء. ولن تكون هناك وسيلة لنقل الصوت أو الصورة بين قارات العالم المختلفة في اللحظة ذاتها، وغيرها من منجزات التكنولوجيا المعاصرة في حال غياب تلك الدراسات».

يوم 24 سبتمبر 2014 كان لقائي مع الصديق العزيز الدكتور الباز في مركز الأخبار، وكانت المناسبة دخول الإمارات بشكل رسمي عصر الفضاء. ويوم 24 سبتمبر 2019 تكرر اللقاء بالدكتور الباز في المكان نفسه، وكانت المناسبة قفزة جديدة يحققها أبناء الإمارات في مجال ارتياد الفضاء. أصبحت أتفاءل بلقاءاتك في هذا التاريخ يا دكتور.

* كاتب إماراتي

جريدة البيان