الفن ورمضان ونحن – بقلم منى العازمي

30520185ى

كل شيء يحضر في رمضان لأنه شهر الحضور والتواصل، يحضر القرآن، ويزداد التواصل الاجتماعي، وتحضر الموائد المعبأة من كل صنف، ويحضر الفن بكل ما فيه، وأنا هنا لست أول من تحدث عن حضور الفن في رمضان ولن أضيف جديدا غير أنه كلام في خاطري يبحث له عن مخرج.
إن المسلسلات في رمضان أصبحت ظاهرة قابلة للنقاش لأنها اخترقت كل البيوت فقبلها من قبلها ورفضها من رفضها، إننا هنا لا نحكي عن الرفض القاطع لهذه المسلسلات فقد أصبحت جزءا من الواقع الذي نعيشه، وأحد مصادر الرسائل الاجتماعية التي أرغمنا على التسليم بوجودها، ولكن ما يدعو للنقاش هو مقارنة هذه المسلسلات بحالها في الماضي وبحالها الحالي.
إن من الفطري أن يقول كل إنسان: «كل شيء في الماضي كان جميلا» ولكننا هنا لا نتوقف عند الجمال فحسب، بل نتعداه إلى حيث كينونة هذه المسلسلات وطريقة طرحها، فكما هو معروف في السابق أن الفن يطل على المجتمع من خلال شاشة التلفاز ببساطته برسائله القيمية التي لا بد أن ينتصر فيها الخير في النهاية ذلك لأنها تلامس المجتمع وتحاول زرع الخير في أرض كل قلب رغم الفصل الذي يقوم به المجتمع بين الحياة والفن، فكانوا لا يرون الفن إلا فنا فقط.
أما الآن فقد ألبسوا الفن حلة جديدة تتكون من شقين: الأول الجرأة في الطرح، والثاني الواقعية في العرض، جميلة هي الجرأة لو وقفت عند كونها جرأة فقط، لكنها تلبست مفهوم الجرأة وظهرت للمجتمع بما هو فوق الجرأة، ومن مظاهرها المبالغة في عرض المشاهد واستخدام بعض الألفاظ، فقد أصبحنا نستمع إلى ألفاظ الشارع في مسلسل كان يفترض أن يرتقي بفكر المشاهد ولغته، كما أنهم أخذوا يبالغون في إظهار مشاعر معينة كمشاعر الحب على سبيل المثال، وهي من أطهر المشاعر، فنرى المحب في المسلسل يكثر من قول كلمة أحبك إلى أن فقدت الكلمة معناها المقصود، ونرى المبالغة في الحركات التي تخرج بالحب عن طهارته إلى معان أخرى، مع العلم أنه في السابق كان الحب يجسد في مشاهد أقل مبالغة، ما يجعله يصل بصورته الطبيعية الجميلة إلى ذهن المتلقي ويؤدي إلى تفاعله مع المشاهد وانتظاره لما يحدث.
وإذا ما انتقلنا إلى الشق الثاني من حلة الفن وهو الواقعية فنرى المسلسلات تسلط أكثر ما تسلط عليه على إظهار شخصية الإنسان الحقيقي الذي قد يؤدي بالمسلسل إلى النهاية المفتوحة حتى لو كان ذلك على سبيل هزيمة الخير واندحاره، لماذا؟ ألم يعد للخير مكان في مجتمعنا؟ كلنا يحمل بداخله إنسانا حقيقيا ولكن المطلوب من هذه المسلسلات ليس إعادة عرض ما بنا، بل صياغة أدلة على تثبيت القيم الخيرة داخلنا، ومن منطلق الواقع نراهم يضخمون بعض القضايا الشاذة في مجتمعنا ويمنحونها صفة الظاهرة، وما هي إلا شاذة من الشواذ، فيتفننون في عرضها وتحليلها كأنهم يقدمون للمجتمع دروسا فيها. ختاما، كلمة أوجهها لكل مؤلف ومخرج: أنتم تحملون رسالة لهذا المجتمع، يتأثر بكم من يتأثر فحاولوا أن تنتقوا رسائلكم، وأن تزينوا القالب الذي تصبون فيه فنكم، جميل حضور الفكاهة ولكن الأجمل طريقة عرضها، جميل عرض الواقع والأجمل ترميزه احتراما للفوارق العمرية لمن يقدم المسلسل إليهم، اللهم ألهمنا الصواب في حمل رسائل الخير والصواب في طريقة عرضها.
القبس الالكترونية