اللوحة الأخيرة لمخرجة عراقية – بقلم صباح ناهي

2982019
تمكنت خيرية المنصور، التي بشر بموهبتها الكبير يوسف شاهين وتعلمت منه كمساعدة مخرج الكثير، أن تقدم عملا فنيا تخطى المهمة الوثائقية إلى رحاب عمل إبداعي في الإلمام بتناغم ثيمة الموضوع الشهيدة العطار برسم عوالم جمال المدينة والبيئة التي احتضنتها.

قصة موت الرسامة والمثقفة العراقية ليلى العطار حولتها المخرجة العراقية خيرية المنصور، بروحها وليس بكاميرتها، إلى فيلم تكشف فيه بعدا آخر لهمها الوطني، حين تنسل هذه المخرجة المهووسة بحب بلدها إلى عمق مأساة اغتيال غصن الزيتون العراقي في حديقة منزلها الذي كانت تعطره ليلى بأريج حضورها ولوحاتها التي رافقتها.

كنت طيلة مسيرتي الصحافية أجد نفسي متسللا إلى مشغلها في مركز الفنون، الذي يتوسط قلب بغداد وأكتشف حينها أني إزاء لوحتين لليلى الفنانة الصديقة ولوحة جديدة فرغ مساعدها لتجهيز لمساتها وعروقها بتقنية تعرفها ليلى وشقيقتها سعاد، التي غادرت بعيدا حيث بلاد الضباب، وتركت ليلى فخورة ترسم وتضحك وتغني وتمشي في حارات بغداد، لأن عشقها أكبر من طاقة امرأة عراقية تؤطرها التقاليد والحكايات.

وكانت ليلى أنيقة حتى في لحظات موتها المروع ليلة 27 حزيران 1993 وأنا أقف قرب حطام بيتها برفقة الصديقة ابتسام عبدالله ونحن نراقب الفؤوس القاسية التي تحاول أن تزيح عنها التراب فجرا، في بيتها البغدادي الذي استحال حطاما.

مرت لحظات استخراج جسدها دقائق وئيدة كأنها أزمنة الركام وانهيار مدن حتى وصلت فؤوس الدفاع المدني لحظة استخراجها من الأنقاض وبانت “دشداشتها الأورانج” التي جعلت ابتسام أم خالد والحاضرين يصرخون ليلي واااه.

لحظتها انهرت من رهبة التفاف الشجر وهو يطوق جثة ليلى في تاريخ ذلك الصيف الحزيراني الحزين.

هي حكاية من مآسي العراق بمقتل الرسامة ليلى العطار الذي حولته المخرجة العراقية خيرية المنصور إلى فيلم سينمائي بل وثيقة إدانة للغزاة وهم يقتلون الجمال، وواشجت روعة الفيلم بقصائد الشاعر العراقي حميد سعيد الذي نسج أنشودة أخرى للمطر ولكن من مأساة العراق عن اغتيال الجمال وانهيار ذلك العالم الذي مثلته ليلى، مع نغمات عود نصير شمه الذي أنشد لروحها ووداع إحدى أبرز أيقونات بغداد، في ذلك الفجر الغريب الذي طال منزلها وأزهق روحها التي وجدت نشيجها المخرجة المنصور حين أرادت أن لا تطوى صفحتها لتكون وثيقة أخرى لإدانة أبدية للذين أوقفوا حياة ليلى لكنهم لم يوقفوا ذكراها.

لقد تمكنت خيرية المنصور، التي بشر بموهبتها الكبير يوسف شاهين وتعلمت منه كمساعدة مخرج الكثير، أن تقدم عملا فنيا تخطى المهمة الوثائقية إلى رحاب عمل إبداعي في الإلمام بتناغم ثيمة الموضوع الشهيدة العطار برسم عوالم جمال المدينة والبيئة التي احتضنتها.

صحيفة العرب