نحن والمريخ – بقلم خالد القشطيني

خالد القشطيني

مررنا في الآونة الأخيرة بأيام شغلونا خلالها بموضوع الوصول إلى كوكب المريخ. لم يخططوا بعد لإرسال إنسان، ذكراً أو أنثى، إلى ذلك الكوكب النائي، كما فعلوا بالوصول إلى القمر. كلا لم يحن الوقت بعد للتخطيط للمريخ. ولكنهم سيبعثون بمعدات وأجهزة وعدسات تعاين ما حولها وترسل عنه صوراً فوتوغرافية أو تلفزيونية إلينا. وستفعل أكثر من ذلك، فتقوم بفحص وتحليل ما حولها من التربة والحجارة وتتأكد بصورة خاصة من وجود الماء، أي نوع كان من الماء، حتى لو كان «كوكا كولا» أو «سينالكو». وإخبارنا بالنتائج.
ذكرني كل ذلك بالأفلام السينمائية التي شاهدتها عندما كنت طفلاً صغيراً عن «فلاش غوردن» ونزول الإنسان على سطح كوكب المريخ والتقائه هناك بمخلوقات عجيبة وبشر من نوع آخر، وما ترتب على كل تلك المصادفات والمتناقضات من نتائج وعجائب.
لا بأس. تمتعنا بكل ذلك وكسبت شركات السينما في هوليوود ملايين الدولارات من تسويق هذه الخرافات المؤنسة. بيد أن ما وردنا مؤخراً لم يأتِ من باب الخرافات والخيالات. وردنا بصيغة العلم والتكنولوجيا. وعلى مستوى العلم والتكنولوجيا ينبغي النظر في هذه المحاولات. أستطيع أن أفهم انشغال العلماء والتكنوقراط وحماسهم للموضوع. العلماء مبتلون بغريزة حب الاطلاع وما من شيء سيهزهم أكثر من اكتشاف وجود قطرة ماء على هذا الكوكب، أو أي كوكب كان. ولكن ماذا يعني ذلك بالنسبة للمسؤولين عن أرصدة الدول وأحوال الشعوب؟
ماذا يعني اكتشاف وجود ماء على كوكب المريخ عندما تكون الكثير من الدول الأفريقية كإثيوبيا ومالي في حاجة لماء يحيون به الأرض والإنسان أيضاً. وهناك الآن منازعات بين الدول النهرية قد تسفر عن نزاعات وحروب دموية. أفليس من الأفضل تكريس هذه المليارات من الدولار لإسعاف الجوعى والمرضى والعطشى على كوكبنا هذا بدلاً من إنفاقها على المريخ؟
بعيداً عن كل ذلك، للعلماء أيضاً مطباتهم ومفارقاتهم. لا أدري لماذا يفترضون أن الحياة على كوكب المريخ أو الزهرة أو القمر تتوقف على الماء؟ ربما تكون هناك أحياء، أغنام أو ماعز أو بعران مثلاً، لا تعيش على شرب الماء وإنما على شفط الرمل وقضم الحجارة. ربما توجد أنواع على المريخ، من الخس والكرفس والبقدونس تنمو وتينع بألوان مختلفة دون جذور ولكن باستنشاق الهواء. وهذا ما يقتضي أولاً أن يبحث العلماء عن وجود هواء بدلاً من وجود ماء على سطح الكوكب.
ودخلت الصين مؤخراً في هذا السباق. ولكنها عملاً بالقول القائل، خالف تعرف، أرسلت معداتها إلى الجانب المظلم وليس المضيء من القمر. لا أدري عم سيبحثون في الظلام. 

جريدة الشرق الاوسط