من ساسة الأمس – بقلم خالد القشطيني

15520.8

اشتهر بين ساسة العراق في العصر الحديث السيد نوري السعيد. تولى رئاسة الوزارة عدة مرات. وألقى بظله على الحكومة حتى عندما كان خارج الحكم. ولكنه كسائر ساسة العراق لم يعرف عنه أي ظرف أو روح خفيفة. بيد أن حكايات كثيرة لم تخلُ من الظرافة قد رويت عنه.
كان مما سمعته من المرحوم يوسف محمد سليم أنه عندما كان ضابطاً في الحرس الملكي وكلف حراسة القصر الملكي في كردستان، أشرف على اجتماع جرى هناك بين نوري السعيد وأرشد العمري (عندما كان رئيسا للوزراء) والوصي على عرش العراق. كانوا على وشك تناول العشاء عندما جاءوا بعذق من تمر البرحي وصل تواً من البصرة. ما أن وضعوه أمامهم على المائدة حتى انطلق أرشد العمري بالتقاط التمرات الناضجة والجيدة منه وأكلها. تضايق نوري السعيد من ذلك، وأدرك أنه بعد قليل لن يبقى من العذق شيء يستحق الأكل. ولم يعرف كيف يمسك بيد أرشد العمري ويضعه عند حده. فنادى على الطباخ مسعود.
«مسعود قل لي ابني، التمر يأكلونه الناس قبل العشا أو بعد العشا؟ نظر الطباخ المسكين وحار في أمره. أدرك المقصود بذلك ووجد نفسه بين رئيسي وزراء اثنين، مهما أجاب سيزعج أحدهما. ولكنه كان رجلاً دبلوماسيا. وكان من مصائب العراق أنهم لم يعينوه وزيراً للخارجية ويعينون وزير الخارجية طباخاً بدلاً منه. نظر في وجه نوري السعيد ثم قال: والله سيدي. فيه ناس يأكلونه قبل الأكل وفيه ناس يأكلونه بعد الأكل».
جواب سليم وحكيم. ولكنه أعطى نوري السعيد الفرصة ليطلق طلقته، فقال: بس أريد أعرف، لأن ضيعنا حتى طعم حلقنا. ما عاد نعرف حتى وقت أكل التمر.

وكان في ذلك إشارة كافية لأرشد العمري بكف يده عن العذق. هكذا كان نوري السعيد يعامل غيره من ساسة العراق حتى عندما يكون خارج الحكم.
يعتبر الكثيرون سياسات نوري السعيد من الأسباب المباشرة التي أوقعت البلاد في ثورة 14 يوليو 1958. كان مؤمناً بالتحالف مع بريطانيا والجري وراء توجيهاتها في الشرق الأوسط. مهما كان رأينا في ذلك فإن الشعب العراقي كان غير راض عن ذلك، ليس لأي سبب معقول أو غير معقول. وإنما من تقاليد الشعب العراقي عدم الرضى عن أي حكومة في الحكم. والتمسك بالتقاليد من أعرافه الراسخة.
وعلى كل، فقد لصقوا بنوري السعيد وسواه من ساسة ذلك العهد تهمة العمالة لبريطانيا. وهنا روى منعم الخطيب، الدبلوماسي العراقي أنه التقى ذات يوم بمحمود صبحي الدفتري وجرى الحديث عن نوري السعيد فخطر للأستاذ منعم أن يسأل السياسي العجوز عن رأيه فيه وكيف يمكن مقارنته بعلي جودت الأيوبي، فأجابه الدفتري قائلا: «تقدر تقول إن نوري السعيد كان لا يتردد قط في تنفيذ أي شيء يطلبه منه الإنجليز. أما علي جودت الأيوبي فإنه يسرع إليهم ليذكرهم بما فات عليهم أن يطلبوه»!

جريدة الشرق الاوسط