مراسلاتهم – بقلم د. حسن مدن

حسن مدن

استوقفتني في المكتبة العائدة لدار النشر «الرافدين» الواقعة على أحد تقاطعات شارع الحمرا ببيروت مجموعة من الكتب، أصدرتها الدار ضمن سلسلة أطلقت عليها «أدب مراسلات»، حيث تقع العين على عدة عناوين بينها «رسائل فرانز كافكا إلى ميلينا»، «رسائل ديكارت وإليزابيث»، «رسائل فلاديمير بانكوف إلى فيرا»، «رسائل مارسيل بروست»، «مراسلات مكسيم جوركي وأنطون تشيخوف». كما نعثر على كتاب وضعته إحدى الكاتبات، هي فرزانة ميلاني، عن الرسائل السرية والسيرة الأدبية للشاعرة الإيرانية فروخ فزخراد، وكتاب آخر بعنوان «الأسبوع الدامي» يتضمن رسائل إميل زولا حول «كومونة باريس».

لا بد من الإشادة بالالتفاتة النابهة لدار النشر هذه في تيسير بلوغ القراء العرب إلى مراسلات وجوه إبداعية مهمة في الأدب العالمي، سواء كانت هذه الرسائل شديدة الخصوصية كتلك التي كتبها بعضهم للنساء اللواتي يحبونهن وجمعتهم بهن علاقات عاطفية أو صداقات وطيدة، أو جاءت على شكل مراسلات بين بعض الأدباء أنفسهم كشأن مراسلات جوركي وتشيخوف.

ليس أدب الرسائل غريباً على أدبنا العربي، بما فيه الحديث منه، ففي الخانة الأولى، أي تلك الرسائل المتبادلة بين أدباء، رجال ونساء، جمع الحب بينهم، كمراسلات مي زيادة وجبران خليل جبران، أو ما نشرته غادة السمّان من رسائل غسان كنفاني إليها، وفي الخانة الثانية نجد نموذجاً في مراسلات الشاعرين محمود درويش وسميح القاسم، وإن كانت هذه الأخيرة جرت باتفاق بين الشاعرين بغرض نشرها، فيما الرسائل الأخرى لم تكتب في الأساس كي تنشر، لذلك انطوت على الكثير من العفوية والتلقائية ما يجعلها أصدق تعبيراً وأكثر قرباً من قلوبنا.

رغم ذلك، فإن المحاذير الكثيرة التي تعترض أدب السيرة الذاتية في أدبنا العربي تطال المراسلات أيضاً، فالمحيط الاجتماعي بكل ما فيه من محظورات وتقاليد صارمة تجعل من المتعذر الإفصاح عن الجوانب الخصوصية في العلاقات الشخصية، وهذا لا يتيح لهذين النوعين من الأدب، أي السيرة الذاتية والمراسلات، أن ينتشرا وينموا.

ليس هذا الأمر مقتصراً علينا، ففي الكتاب المتعلق بفروغ فرخزاد (1935 -1967)، نقرأ أن جزءاً من رسائلها ويبلغ عددها نحو مئة رسالة وبطاقة بريدية لم ينشر حتى بعد موتها لأنها تتعلق بتفاصيل في حياتها الخاصة وكذلك أحكامها الحادة تجاه بعض الأشخاص الذين ما زالوا على قيد الحياة، فبعض هذه الرسائل شديدة القسوة وفي حال نشرها سترتفع أصوات الجميع بالاحتجاج، لذلك رأى المعنيون ومن ضمنهم أخت الشاعرة، صرف النظر عن الموضوع وجرى إيكال نشر تلك الرسائل للمستقبل.

جريدة الخليج