غير اليومي في اليومي – بقلم د. حسن مدن

حسن مدن

خرجت مفردة «الأخبار» من القاموس، ومن التداول الإعلامي، الإذاعي والتلفزيوني والصحفي، لتدخل في حديثنا اليومي ولهجاتنا الدارجة، فنحن دائمو السؤال لبعضنا بعضا: «شو الأخبار» أو«إيه الأخبار»؟ ونحن في الغالب الأعم من الحالات لا نكون نقصد بهذا السؤال الاستفسار عن آخر مستجدات الوضع السياسي أو الاقتصادي وما إلى ذلك، وإنما نقصد أخبار الشخص الذي نوجه إليه السؤال، كأخباره في العمل، أو أحواله الصحية، أو أموره العائلية.. الخ. في هذا تبدو مفردة «الأخبار» أقرب في دلالتها إلى مفردة «الأحوال»، فعندما تسأل أحدهم: ما هي أخبارك؟، تكون قد عنيت: ما هي أحوالك؟.

لكن عندما ينتقل الأمر إلى الفضاء العام، إلى السياسة ولكل ما يمت إليها من أخبار في الحقول المختلفة كالاقتصاد والحروب والأزمات، أو حتى إلى ما يمت بالكوارث في الطبيعة، فإن الأمر يختلف، فما يجري الحديث حوله هنا لا يتصل بالحياة الشخصية المحدودة للأفراد وإنما بتلك الأحداث التي تطال نتائجها مجتمعات بكاملها، وأحياناً أقاليم بكاملها، وربما العالم كله.

يلفت أستاذ الفلسفة والكاتب المغربي عبدالسلام بنعبد العالي أنظارنا إلى أن ما نسميه في اللغة العربية: الأخبار، يطلق عليه في اللغات الأجنبية ب «المستجدات».

ولإغناء هذه الفكرة يذكّرنا الكاتب بما لاحظه مؤلف كتاب «معنى الخبر»، الفرنسي ميشيل سير الذي هو عبارة عن أحاديث قالها، أو كتبها، تلبية لطلب اذاعة ما بالتعليق على أهم الأخبار مساء كل يوم ولمدة شهر.

يومها جابه الرجل السؤال – المعضلة: ما الجديد في «مستجدات» كل يوم؟؛ فالأخبار لا تأتي بالضرورة بجديد، وهذا أمر نلمسه جميعاً، أو يلمسه كل من هو مهتم منا بمتابعة الأخبار، حيث تبدو نشرات الأخبار تكراراً للمحتوى ذاته ليس خلال ساعات اليوم الواحد، وإنما خلال يومين أو ثلاثة متتالية، فمن أين نأتي بالجديد، طالما أن «المستجدات» نفسها لم تعد مستجدات؟ ربما كان على هذا الرجل، أو على المعنيين مثله بالتعليق على الأخبار، البحث والتحري عما لم تقله نشرات الأخبار. في جميع الحالات هناك أمر مغفل لم يقل، ولا يراد له أن يقال، لأن وقت الإفصاح عنه لم يحن بعد، وقد يكون أهم بكثير من «المستجدات» التي أذيعت.

وعن جيل دولوز ينقل بنعبد العالي التالي: «الخبر هو مجموعة كلمات – أوامر. عندما نطلعك على معلومات نقول لك ما يتوجب عليك اعتقاده. أي أن الأخبار هي بث أوامر. يقال لنا ما ينبغي علينا اعتقاده وكيف نتهيأ لذلك ونكون مستعدين له».

جريدة الخليج