نجيب محفوظ وقد كتب ثلاثيته للتو – بقلم هيثم الزبيدي

هيثم الزبيدي
هذه ليست دعوة للتوقف عن الكتابة عن الراحلين الكبار. ولكن ينبغي التمييز بين ما يستحق أن يكون في الكتب من سير وتجارب وقراءات وأفكار، وذلك الذي يغزو الصفحات الثقافية بشكل يومي تقريبا.

يواجه محررو الصفحات الثقافية العربية في العموم إشكالية من نوع خاص. فكثير من الكتّاب ممن يزودون الصفحات الثقافية بمقالات وتحقيقات وموضوعات يعانون من أسر الماضي، خصوصا القريب منه. روزنامة الكتّاب تحمل تواريخ سابقة كثيرة لأشخاص وحالات مرت منذ سنوات. لو كانت روزنامة اليوم تشير إلى تاريخ أكتوبر 2018، فإن روزنامة الكاتب تشير إلى تاريخ أكتوبر 1958 أو أكتوبر 1968. نوستالجيا الحنين إلى الماضي تسود الكتابة الثقافية.

ماذا يواجه المحرر الثقافي؟ تصل مثلا مقالة استرجاعية عن نجيب محفوظ. لا أحد يجادل بعلو كعب الكاتب المصري الأشهر. هو علامة فارقة في تاريخ الأدب العربي الحديث. لكن ستجد أن ذكرى وفاته هي موعد سنوي لرشقة مقالات من عدد من كتاب. الذكرى التاسعة. الذكرى العاشرة. الذكرى الحادية عشرة. الذكرى الثانية عشرة. متحف نجيب محفوظ ينتظر التنفيذ. مرة أخرى متحف نجيب محفوظ ينتظر التنفيذ. قراءات لرواياته وكأننا نتعرف عليها من جديد وكأن نجيب محفوظ كتب للتو الثلاثية أو “أولاد حارتنا”. سيل لا ينتهي ومعه كمية لا تقل حجما من النواح عن تراجع الأدب الروائي في مصر أو العالم العربي. أين ذهب العصر الذهبي؟

نجيب محفوظ توفي من فترة قريبة نسبيا. نفس الحكاية تتكرر عن أم كلثوم بعداد سنوات أكثر. أضف إليها عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش والممثلين والممثلات من زمن السينما الأسود والأبيض وتوفيق الحكيم والعقاد. عد ولا تقصر.

لا ينحصر الأمر بفناني مصر أو أدبائها أو مثقفيها، ولا بالكتّاب المصريين الذين يكتبون عنهم. مواعيد الاستعادة النوستالجية تتوزع جغرافيا على العالم العربي. سوريون يتذكرون نزار قباني وفلسطينيون يتذكرون محمود درويش. لا أعرف كم مقالة عابرة للزمن كتبت عن إدوارد سعيد. لكن مع كل قضية صغيرة أو كبيرة، ثقافية أم سياسية، ستجد ذكر إدوارد سعيد في ما يشبه الاستهانة غير المباشرة بعشرات المثقفين الفلسطينيين ممن كتبوا ويكتبون عن قضايا بلدهم. لدينا زميل يصاب بالكآبة إذا تمت مقارنة الجواهري أو شعره بأحد. باب “الإفتاء” الأدبي والشعري والفني، بل والثقافي والفكري، أغلق على مرحلة سابقة.

هذه ليست دعوة للتوقف عن الكتابة عن الراحلين الكبار. ولكن ينبغي التمييز بين ما يستحق أن يكون في الكتب من سير وتجارب وقراءات وأفكار، وذلك الذي يغزو الصفحات الثقافية بشكل يومي تقريبا، مع كل ذكرى رحيل. لو كان هناك 365 راحلا وراحلة من الكبار في عالمنا العربي، لا نبالغ إذا قلنا إن العديد من صفحات الجرائد المطبوعة والأونلاين ستكمل دورة فلكية سنوية في مواعيد الرحيل المحددة، ثم تعود إلى نقطة البدء.

الراحلون الكبار يستحقون كل تقدير. نكتب عنهم الكتب ونحيي ذكراهم من خلال سرد تاريخي موضوعي عن سيرهم الذاتية وعن عصرهم وعن تجاربهم وتجارب الذين جعلوا ألمعيتهم الشخصية ممكنة. نكتب في الصفحات الثقافية عن هذه الكتب حين تصدر لنستعيد ذكراهم. ولكن من الضروري أن نتذكر أن هذه الاستعادات المتكررة إنما تحرم الأجيال اللاحقة والجيل الراهن من فرصة الاهتمام أو أن تجعلهم دائما في مقارنة مع نساء ورجال من عصر آخر وأبناء ظروف مختلفة.

صحيفة العرب