الصحافة والأدب – بقلم د. حسن مدن

د حسن مدن

على النسخة التي أهدتها لي من كتابها المترجم «نزهة فلسفية في غابة الأدب» كتبت لطفية الدليمي تقول: «هذه النزهة الفكرية فسحة لاجتلاء ما يربط الفلسفة بالفعل الإبداعي».
في أقل الكلمات وأدقّها شخّصت المترجمة مضمون الحوارية بين آيريس مردوخ وبريان ماغي حول ما هو فلسفي في الأدب وما هو أدبي في الفلسفة، وعلى صغر حجم الكتاب، فإنه ثري بالأفكار وملهم ومحرض، وينير زوايا معتمة، أو لم يسلط عليها من قبل الضوء الكافي، حول العلاقة بين الأدب والفلسفة.
القارئ الحصيف يستطيع أن يتبين وهو يقرأ أدباً ما إذا كان كاتبه تحصّل على تأسيس فلسفي يُعتد به، أو أنه كاتب عادي أو حتى سطحي. لن تغني اللغة الجميلة للكاتب، أي كاتب، عن الفكر، الفكر الفلسفي تحديداً، بل إن هذا الفكر يغني بدوره لغة الكاتب ويطوّر مهاراته الأخرى.
في أحد مواضع «نزهة فلسفية في غابة الأدب» يحاول المتحاوران أن يقفا على المختلف والمشترك بين الأدب والفلسفة. حسب آيريس مردوخ، فإن الفلسفة «تختص بالحصول على موطئ قدم عند بحث معضلة فلسفية محددة، والثبات على ذلك الموطئ والمضي في تعزيز جاهزية المرء لإعادة اكتشاف ومساءلة تلك المعضلة في كل مرة».
أما الأدب، برأيها، فإنه «يكافح وسط لجة المعضلات المعقدة للشكل الجمالي المطلوب في محاولة إنتاج نوع من الاكتمال الأدبي والفني. ينحو الأدب نحو بلوغ النهايات المكتملة؛ وحتى في النصوص الأدبية المتشظية فإننا نلمح فيها توقاً لأن تكون جزءاً من نسق كلي عام».
بدت مردوخ ميّالة للاعتقاد أنه من الصعب حصر الأدب في تعريف مغلق، فهو «الشكل الفني الذي يوظف الكلمات»، ومن هنا فإنها لا تتردد في وضع الكتابة الصحفية في خانة الأدب، «إذا ما راعت بعض الاعتبارات الفنية».
وفي هذا بالذات درس برسم بعض «المشتغلين» بالنقد الأدبي من العرب، الذين يطلون من أبراجهم العالية بالكثير من الاستعلاء على الكتابة «الصحفية» ذات المنحى الأدبي. ويهمني أن أعطي مثالاً هنا. أنا معجب جداً باللغة التي تكتب بها روائية مثل إنعام كجه جي رواياتها التي أخذت من الصحافة أجمل ما فيها، وأرى أنها أحد أسباب تميّز شغلها الروائي، لكن بعض «المشتغلين» بالنقد يصفون هذه اللغة ب «الصحفية»، كما لو كانت نقيصة.
ليست الكتابة الصحفية إذا ما راعت بعض الاعتبارات الفنية وحدها ما يمكن اعتباره أدباً. تضيف مردوخ إلى ذلك أيضاً بعض الكتابات الأكاديمية، «الأدب حقل واسع الأطياف وشاسع المديات».

madanbahrain@gmail.com

جريدة الخليج