أصدقاء أناييس نن – بقلم د. حسن مدن

حسن مدن

في يومياتها تقول الكاتبة أناييس نن، إنها ترغب في أن تكون مع الآخرين، لكن الاندماج وتقديم التنازلات يتسببان في هلاكها.

يبدو الأمر أشبه بالمحنة الشخصية، فالمرأة هنا تحب أصدقاءها وترغب في أن تكون قريبة منهم، ولكنها بالمقابل لا تقوى على طباعهم المتنافرة، ولا تستطيع مجاراتهم في العيش بنفس طريقتهم.. إنها تحب أن تعيش كما ترغب، لا كما يرغبون.

تبدو عبارتها التي اخترناها مُفتتحاً لهذا المقال، مدخلاً مناسباً لقراءة التقييمات التي أعطتها لعدد من أصدقائها المقربين في اليوميات نفسها التي ترجمتها إلى العربية الأديبة العراقية لطفية الدليمي.

تقول نن، إنها تجد نفسها أكثر في حياة الفقر، لا في الثراء، وتكاد تضع لنفسها ما يشبه دليلاً للعيش تُكثّفه في الكلمات التالية: «أقل ما أملك.. أغنى ما أكون»، وهي مستعدة للتضحية بكثير من مسرَّات الحياة في سبيل أن تجد أصدقاءها يعيشون أفضل كي يتمكنوا من العطاء.

الأصدقاء الذين خصتهم بالحديث في ختام اليوميات هم: هنري ميللر، وهيلبا وزوجها الشاعر والرسام جونزالو، وموريكاند الشاعر، وأندريه بريتون.

وعن جونزالو قالت إنه مباشر، تهمّه اللحظة الراهنة، وهذا ما جعله يحيا في الأنشطة السياسية، ويمتلك موهبة رائعة في التعامل المباشر بعواطفه، كما تفعل المرأة؛ إذ تستجيب للحياة بكل كيانها. يعيش في الحاضر لحظة بلحظة، فهو يخرج لشراء السجائر وينسى شراء الكبريت، فيخرج مرة أخرى. وبعد برهة يفكر في الخروج لشراء القهوة، ولكن حالما يبدأ في الإبداع تظهر الحاجة إلى التخطيط والتفكير بالغد.

أما عن هنري ميللر فتقول إنه على النقيض من جونزالو؛ يحب بشكل بدائي، يستمتع، يأخذ، ينتفع، دون أن يمنح شيئاً من نفسه.. كل الأشياء يجب أن تكون من أجله ولفائدته الشخصية ومهنته وشهواته ومباهجه.

توقعت أناييس نن، من أندريه بريتون الذي قصدها زائراً، أنه سيثير بحساسيته فضولها وحدوسها ويُنشط أجواء حياتها، لكن آمالها فيه خابت. فلقد وجدته رجلاً عقلانياً أكثر مما ينبغي. تحدث عن الأفكار وأهمل الانطباعات والأحاسيس، وسرد عليها نقيض ما كانت تتوقعه منه.

تحدث لها عن ألعاب السورياليين وبحثهم عن المفاجأة والدهشة، فكانوا يجتمعون ويقومون بأعمال لم يخططوا لها مسبقاً، كأن يستقلوا القطار ويهبطوا في أي مكان مجهول لا يعرفونه، وينتظروا حدوث المفاجأة.

لكنها لم تلمس في روحه الصارمة ما يشي بكل ذلك، ما أكد لها سلامة موقفها بألاَّ تُصبح سوريالية.

جريدة الخليج