من أدب الرحلات الأفريقية – بقلم حلمي شعراوي

حلمي شعراوي
عند التأريخ لأدب الرحلات الأفريقية يُذكر دائماً، العمل الكبير للحاج «موسى أحمد كمرة»، أو«كمارا» باسم «زهور البساتين في تاريخ السوادين»، والمقصود وصف شعوب «بلاد السودان»، وأخلاطها وتفاعلاتها في أنحاء غرب أفريقيا بل ووسطها الغربي حتى يصل بها إلى تفاعلات أهل النيل المصري، والنيل الفوت! 
ويذكر كل ذلك للتعريف بمحاولة أفريقية ضمن محاولات أخرى، وفي فترة حديثة من القرن العشرين، أو «نهر النيجر» (يصل في طبعاته إلى أكثر من 400 صفحة، إلى أن يصل في طبعة كويتية إلى 872 صفحة عام 2010، استمراراً لأدبيات الرحلة الشهيرة عند ابن خلدون، وعبد الرحمن السعدي، وأحمد بابا التمبكتي، ومحمد كعت التمبكتي..الخ، ممن جاؤوا بعد ابن خلدون، وعرفوا شعوباً تمتد على أكبر مساحة من أرض القارة. وقد عرَّف أكثر من كاتب ب«الحاج موسى أحمد كمرة» باعتباره فولاني، فوتي، تأرجح بين القادرية والتيجانية، مع ميل إلى الأولى المنتشرة بين الفولانية.
والملفت في تاريخ معظم كتب الرحلات أنها تعرض لحياة شعوب في مساحات كبيرة، وتطرح قضية مهمة بالنسبة لبحث «تفاعل الثقافات» المتنوعة التي يمر بها الرحالة من ابن بطوطة، إلى الحاج «موسى كمرة»، وهو المنهج الذي ما زلنا للآن نحاول تأكيده مع مجموعة من الباحثين في مصر باسم «أفريقانيون» إلى الهيئات الثقافية المختلفة ممن يلفت نظرهم القول ب«الشعوب الأفريقية»، ويقفون عند «وحدة الثقافة الأفريقية»، وكأن الثقافة لا تخص كل شعب منها.
الملاحظة الأخرى، أن معظم الرحالة مهما علا شأنهم يرتبطون بتكليف أحد الحكام أو السلاطين لهم بكتابة تاريخ الشعوب التابعة لهم، إلى أن تبدأ تكليفات قائد الحملة الأجنبية الغازية لأحد «النابهين» من أبناء المستعمرة لكتابة تعريف شامل بالبلد أو المنطقة، مثلما حدث مع ابن بطوطة مثلا، فضلاً عن «الحاج موسى كمرة» الذي كلفه القائد الفرنسي للحملة على السنغال وامتداداتها بكتابة هذا العمل الشامل، رغم أن علماء فرنسيين وغيرهم وصفوا«كمرة» بضعف مستوى ثقافته، والنقل الكثير عن غيره من الرحالة العرب.
وقد تابعت في الكتاب ما قيل عن أصل «السوننكي» بين شعوب غرب أفريقيا وتمركزهم في موريتانيا، وانتشارهم جنوبها، ووجدت قيمة كبيرة لما قيل عن وصول «السوننكي» إلى مصر. وبينما تنقل الرواية الأصلية نصوصاً عن أصلهم في أسوان تحديداً، وأن تسميته السوننكي هي تحريف لأسوان…الخ. وقد لخص الأستاذ بكر سيسي في كتابه (تاريخ المجتمع السوننكي-مركز الدراسات الاستراتيجية موريتانيا طبعة الرباطا 2012) بعض نصوص الحاج كمرة على النحو التالي: 
«وما تواترت عليه الروايات المرجحة هو أن السوننكيين جاؤوا من مصر وتحديداً من منطقة «أسوان» (المرجع جيرمان جنترلين في مؤلفه «امبراطورية غانا»، حيث تتحدث كل الروايات عن صلات بينهم، وبين قبائل النوبة. ذاكرة أن أصل الاسم «السوننكي» من «أسوان» المدينة المصرية المعروفة، وأن العادة في اللغة «السوننكية» أن الحروف الثلاثة «نكي» هي بمثابة ياء النسبية في اللغة العربية مثل «موريتاني»، يقول السوننكية – «موريتانكي» – مالي «مالينكى»، و«أسواني» «أسوانكي»، ومع كثرة الاستعمال استُغْني عن الهمزة التي في أول الكلمة فصار الاسم «سوننكي». وينسبهم بعض المؤرخين إلى شعب «البافور». والبافور أقوام «سود»، وهم في الأصل قبيلة يهودية نزحت من الأندلس إلى «وادنون» واندمجوا في منطقة الصحراء. 
وتقول بعض الروايات الأسطورية إن بضعة رجال بقيادة زعيمهم «ديابي» شقوا طريقهم عبر الصحراء قادمين من مصر، ويُقال أسوان تحديداً، ومنها الاسم «أسوانك» إلى أن وصلوا نواحي الجنوب الشرقي من موريتانيا، حيث استقر بهم المقام في النهاية، وكانت بداية مملكتهم غانا، كما أكَّد «علي بكر سيسي» في (تاريخ المجتمع السوننكي –بموريتانيا، طبعة الرباط، 2012). 
أما الطبعة الكويتية 2010، وهي من تحرير الأستاذين ناصر ومعاوية سعيدوني التي تذكر الكثير من المواقع عن وجود السوننكيين في تحركاتهم إلى مصر، لكن لا تورد ذكراً لكونهم يعرفون «أسوان»، أو أن لهم أصولاً فيها.! وقد طفت بالكتاب بحثاً عن ذكر لأسوان أو معرفة السوننكي بها فلم أجد. وهذه بعض نصوص الحاج «كمرة» التي أوردتها الطبعة الكويتية: أعلم أن المذهب الذي ذهب إليه ظني أن أهل «فوت تور» من «فوت بن حام»، الذي في«الدرس التام»، كما مر ذلك أو هم من البربر الذين خرجوا من الشام أو هم من القبط، والقبط أيضاً أصلهم من الشام. وفي «الدرس التام في التاريخ العام» قال المؤرخ «فرانسيس لونورمان» لاشك ولا تردد الآن، في أن المعروف أن أول السكان لمصر في سالف العصر من ولد حام بن نوح عليه السلام ومن ذرية ولده المسمى «مصرائيم»، وأنهم وفدوا إلى الأقطار النيلية من بلاد آسيا بطريق صحاري بلاد سوريا، وتوطنوا في وادي النيل الكريم، الخ. قلت وقد أخبرني سيف دمك عبد السلام أن الفلان الذين في فوت أصلهم من قبيلة من قبائل قبط مصر بالفلاح أهل ماشية وقد كانوا أهل بادية في مصر وقد دخلوا الآن في التمدن. 
ولم أفهم كيف تتغير الوقائع في نصوص تاريخية، أو يعاد صياغتها، بمنهجية أخرى تؤدي إلى تغيير وضع الحقائق أو تجاهلها، رغم أهمية الجهد الذي تم للوصول إلى استكمال هذا المجلد.
في النهاية المؤقتة لهذا البحث، نرى أن«الحاج كمرة» أو«كمارا» قد أضاف الكثير إلى قضية تفاعل الثقافات في منطقة غرب أفريقيا للباحثين في شؤون اختلاط الثقافات وتنوعها بل وذكر الصور الاجتماعية والثقافية والتراثية في المنطقة. ويمكن للقارئ أن يرجع بنفسه إلى جانب ماذكرته هنا إلى المصادر نفسها.
*مدير مركز البحوث العربية والأفريقية- القاهرة
جريدة الاتحاد