ليتنا نقدر أن نحبه أكثر.. ونشكره أكثر

ناصر_الظاهري

من الأشياء الجميلة والمفرحة في الحياة أن ترى شخصاً استثنائياً مثل «فالح حنظل» يصبّح على مكتبه مع تباشير اليوم، عاكفاً على الأشياء الكثيرة التي يشتغل عليها بحثاً وتنقيباً واستقصاء وتوثيقاً، يفعل ذلك بصمت وهمة رجل لا يحدث جلبة، عمله فقط هو الجلبة، وما دوّن وخط بقلمه، ذاك الخط الرفيع المتأني الجميل، يفرحك أكثر بإشراقة ضحكته، والنوادر التي يحكيها بذاك الصوت الجهوري المسرحي، وكأنه من حكائي بغداد، وقت ما كانت بغداد خزانة الأدب، وبيت الحكمة، ولا شيء فيها يعدل الثقافة التي كانت وزن صاحبها ذهباً، تتمنى لو تصبّح عليه كل يوم، ولا تثقل عليه، فقط لتكسب جمال صباحه الذي لا يخلو من فائدة، ولا يعدم تلك الأفكار النبيلة البنّاءة، متوكئاً على عصا العمر، تاركاً لموطئ القدم والقدم تلك الاستراحة التي جاءت في منتصف الثمانين، لكنه لا يبالي فقلبه أخضر بأشياء كثيرة يحبها ولا يخفيها، عاش من أجل قيمة في الحياة، والقيمة وحده من جسها وخبرها وصنعها، لا منتظراً حمداً ولا شكوراً، لأنه قرر منذ أن وصل لهذه الدار أن لا يتركها مثل كثير من المارين العابرين أو المنتفعين، قرر أن يترك أثراً من نفسه هنا، ومن زرقة حبره على أوراقها، لا يترك المدينة التي عرفها قديماً بحراً ويابسة وفلاة لا يحدّها البصر، وكبرت معه وبكثير مثله، لكنه تفرد عنهم، حالفاً أن يترك أثراً من مشاغبة أصابعه على جدرانها، ليقول ناسها الطيبون، والذين لا ينسون، ودائماً ما يتذكرون، والذين يعرفهم، وتعرفه أبواب بيوتهم الطلقة له، فقط يكفي أن يتحنحن أو يقول كلمة: هودّ «! ليسمع جوابهم؛ واحد يقول: «هدّا.. اقلط أبو فنر»، وآخر يقول: «إحدرّ.. البيت بيتك»! من أجل هؤلاء كتب ودوّن وسطرّ «فالح حنظل»، وهؤلاء وأبناؤهم وحدهم من سيقولون: «محظوظة مدينتنا.. لأن شخصاً مثل «فالح حنظل» مرّ من هنا، والنعْمّ والله الساع، بيّض الله وجهه»!
– لولا لم يكن للدكتور «فالح حنظل» أي إنجازات أخرى كبيرة، فقط مجلدي «المفصل في تاريخ الإمارات»، وكتاب «معجم الألفاظ العامية في الإمارات» لكفاه، لأن هذين العملين الرائدين، تطلبا بحثاً ولقاءات حية وأسفاراً ومقابلات لكبار السن في مختلف مناطق الدولة، وما تحفظ صدورهم، أعواماً طويلة، ومشقة في البحث والانتقال، لأنه بحث في مناطق قاحلة ومقفرة من المراجع والكتب والدراسات، عدا بعض المراجع الإنجليزية المتفرقة.
– «د. فالح حنظل»، جمع ودرس حتى الآن «13» من دواوين الشعراء في الإمارات، وحققها وشرحها، وقدمها للمكتبة العربية.
– له 17 كتاباً عن الإمارات في التاريخ وسير حكام الإمارات وأعيانها وروادها في كافة المجالات، وله كتب في اللغة، والأمثال والمعاجم في الإمارات.
– حقق 8 كتب في تاريخ وثقافة ومجتمع الإمارات.
– له 6 كتب غير منشورة مختصة بالإمارات وتاريخها وسير أعلامها، وهي مجالات لم يتطرق لها البحث العلمي والموضوعي من قبل.
– لِمَ نتذكر في هذا الصباح هذا الرجل العربي النبيل، لأنه بلغ اليوم عامه التسعين، وما زال يصبّح على مكتبه مع إشراقة أمل وتباشير خير، ويفرحنا لأنه يمثل معنى الرجال، وما يصنعه الحب والمحب لهذه الأرض.. ليتنا نستطيع أن نحبك أكثر.. ونشكرك أكثر.

ليتنا نقدر أن نحبه أكثر.. ونشكره أكثر

جريدة الاتحاد