صورة الخبير – بقلم د. حسن مدن

13520183n

قيل للرجل إن موعداً قد تحدّد لهم للقاء بالخبير. كان الأمر يتصل بمسألة من المسائل التي تشغل اهتمامه، هو ومجموعة من أصدقائه، لن آتي هنا على ذكرها، لعدم أهمية ذلك. أحد هؤلاء الأصدقاء اقترح أن يلتقوا بخبير في الشأن المعني ليفيدهم فيه. جرت الاتصالات بالخبير المعني لترتيب موعد معه، ولأنه «خبير»؛ فبرنامجه مزدحم بالمواعيد والالتزامات، ولكن، أخيراً، تحدّد الموعد وذهبوا.
قبل اللقاء كانت في ذهن الرجل الصورة المعتادة للخبير: رجل له من العمر ما يكفي بحيث أن معارفه وتجاربه ومهاراته أهّلته، بعد طول مران وتدريب، أن يصبح خبيراً. تخيّله رجلاً ممتلئ الجسم، أصلع الرأس، أو على الأقل فإن البياض قد غزا شعر رأسه، وربما يكون بنظارة طبية، يخلعها وقت الحديث معهم، ويجلسها على أرنبة أنفه حين يعود إلى الورق أمامه للتأكد من معلومة، أو لقراءة فقرة من الفقرات، فنظر عينيه، بعد سنوات طويلة من الدراسة والبحث والتنقيب في المصادر ضعف، وبات لزاماً عليه الاستعانة بنظارة طبية، نصحه طبيبه بها.
تخيّل الرجل أيضاً أن سكرتيرة الخبير، أو مدير مكتبه، ستستقبلهم هاشة، وتجلسهم لثوانٍ أو دقائق في مكتبه، وربما تطلب لهم ما يشربونه، ريثما ينتهي الخبير من اجتماعه القائم مع غيرهم، وبعدها يلجون مكتباً أنيقاً، وربما فخماً أيضاً، يجلس الخبير على كرسي وثير، أسود أو بني اللون، وسيقف الخبير، وهم يلجون المكتب، بكامل هيبته ووجاهته، ليحييهم، جامعاً بين ابتسامة المجاملة ورصانة الخبرة.
حانت اللحظة التي سيرى مدى مطابقة الصورة التي في ذهنه، مع ما سيراه بعد هنيهة، صعدوا مصعد البناية قاصدين الطابق الذي يقع فيه مكتب الخبير. بالفعل كانت هناك سكرتيرة آسيوية أرشدتهم إلى غرفة صغيرة، بها طاولة اجتماعات وكراسيّ للجلوس، وكان ثمة شاب منهمك في تثبيت سلك حاسوبه في «فيشة» الكهرباء.
استدار الشاب نحوهم محيياً، طالباً منهم الجلوس: «تفضلوا»، هكذا قال.
جلسوا بانتظار أن يقول الشاب لهم وشيء من الاعتذار على محياه: «ثوان والأستاذ جاي». لم يقل الشاب شيئاً من هذا. سحب كرسياً فاضياً وجلس عليه أمام الحاسوب مباشرة، فتحه، ونظر إليهم، وهو يقول: لقد اطّلعت على الأوراق، لكن لديّ بعض الأسئلة، لو تكرمتم بالإجابة عليها، حتى نستطيع بلورة الرأي المناسب الذي يفيدكم.
أدرك الجميع أنهم باتوا وجهاً لوجه أمام الخبير نفسه، شاب في مقتبل العمر، صحيح أن جسمه ممتلئ بعض الشيء، لكن نضارة الشباب وحيويته تشعان من وجهه وعينيه. كان عليهم أن يفهموا أنهم اليوم في زمن آخر. زمن الخبراء الشباب، المؤهلين، النابهين، الذين لا رزم من الأوراق متراكمة على طاولاتهم. وأن كل ما يتحدثون حوله موجود على حاسوبهم، وأن أسئلتهم محددة، ودقيقة، ومباشرة. لا إطناب في الشرح. لا فائض في الكلام.