كهلٌ نالَ منه الضجر – بقلم د. حسن مدن

د حسن مدن

ذات ليلة، نال الضجر من كهلٍ لا يأتيه النوم. حائر ماذا يفعل، وهو وحيد. خاطب نفسه: هل أنا الوحيد على هذه الحال من الضجر والحيرة في الطريقة التي بها يمكن قتل هذا الوقت الرتيب، أم أن لي نظراء في أمكنة أخرى، بعيدة أو قريبة؟
لمعتْ في ذهنه فكرة: لماذا لا أوجه سؤالاً حول هذا على جدار «فيسبوك»، وأرى إن كان هناك من أصابه، مثلي، الأرق والضجر والحيرة، وماذا يفعل. اهتدى بعد عدة مفاضلات إلى الصيغة التالية للسؤال: «في ماذا تفكرون الآن»؟ 
ما هي إلا ثوانٍ أو دقائق معدودات حتى ابتدأت الإجابات تتوالى على السؤال من أصدقائه الذين جمعه «فيسبوك» وإياهم، وما زالوا سهارى. انتابته حال من الانتعاش. «لست وحيداً إذن»، قال لنفسه مرة أخرى، وهو يقرأ ما يصله من إجابات، إجابة تلو الأخرى.
خلال وقت ليس بطويل تجمعت لديه حصيلة من الأجوبة المتنوعة، التي أظهرت له ليس فقط مقدار التنوع في هموم الناس واهتماماتهم، وإنما أيضاً الاختلاف في شخصياتهم.
رجل مصاب بلوثة الفلسفة، ومليء بالنوايا الخيّرة التي يبشر بها الفلاسفة أجاب قائلاً: «أفكر في أن أحوّل الكره في ما بين الناس إلى حب»، ابتسم الكهل وهو يقرأ هذه العبارة، وفكّر وهو يحدّق في صورة كاتب العبارة ويتحرى عمره: «ما زال شاباً حالماً، عندما يكبر قليلاً وتعركه الحياة سيكتشف أن أمله يوتوبيا لن تتحقق.
شخص آخر لم ينج، على ما يبدو، من لوثة الفلاسفة، كتب، ولكن بنبرة متشائمة على خلاف سابقه: أفكر أننا نعيش في الوقت الضائع، ولا نفعل شيئاً سوى الانتظار. هنا كاد الكهل أن يرد عليه: أنت على حق، ولكنه آثر أن ينأى بنفسه عن المساهمة في بث حال الإحباط.
هناك أجوبة حملت شوقاً ولوعة، كجواب امرأة يبدو أنها تنتظر حبيباً أو ابناً مسافراً، فقالت: أفكر في الغائب عني. لعلّ الله يعيده إليّ سالماً.
هناك أجوبة أكثر واقعية وعملية، تتصل بأشياء راهنة، كجواب الموظفة التي قالت: أفكر في ترتيب خطتي القادمة بعد عودتي مؤخراً من إجازة قصيرة، أو الكاتب الذي قال: أفكر في إكمال القصة القصيرة التي بدأت في كتابتها، أو الطالبة التي تراكمت عليها الواجبات فقالت: أفكر في الدراسة.
آخرون انصرف تفكيرهم إلى ما هو أبعد بعض الشيء، وأقل راهنية، كالرجل الذي يبدو أنه كهل مثله، وأجاب بالتالي: «أفكر في ما الذي سأفعله حين يأزف موعد تقاعدي الوشيك». شاب مصري مغترب أرّقه الحنين إلى الوطن والبعد عن الأهل كتب: «أفكر في العودة إلى مصر قبل أن تداهمني سن الأربعين».
لم يخل الأمر أيضاً من إجابات طريفة، كإجابة الشاب الذي يبدو أنه يعمل ممرضاً: «أفكر متى تنتهي المناوبة»، أو الفتاة الساهرة التي أخذت تحس بالجوع، فكتبت بلغة عامية: «أفكر شو أطلب أكل». 

جريدة الخليج