المهلّب بن أبي صفرة – بقلم مارلين سلوم

66201813n

الدراما التاريخية تتراجع على الشاشات، لأنها تستلزم مجهوداً أكبر وتعمقاً في التاريخ والحرص على الأمانة في كتابته، والإنتاج الضخم الذي يليق بالأجداد والرجال الأوائل وبالماضي العريق.
تلك المجازفة خاضتها مؤسسة أبوظبي للإعلام، فنجحت في تقديم أحد أهم الأعمال التي نشاهدها على شاشتها، والذي أثار جدلاً حتى قبل أن يبدأ عرضه، «المهلّب بن أبي صفرة». 
كل ما في هذا العمل مصنوع بإتقان. تتر البداية والموسيقى التصويرية والملابس والديكور ومواقع التصوير.. قالب جميل عرف كيف يبهر الأبصار أولاً، ليجذب الجمهور إلى عمل يحمل من التاريخ رسائل واضحة وموجهة مباشرة لتصيب صميم حياتنا اليوم. 
ما يبرز في مسلسل «المهلّب»، هو أنه مكتوب بعناية وبلغة عربية سليمة ينطقها الممثلون بإتقان، والحوار بين الشخصيات هادف يستحق التوقف عند كثير من محطاته. المؤلف محمد البطوش له باع طويلة في هذه النوعية من الكتابة التاريخية الممزوجة بالخيال والقصص الرومانسية، وقد استطاع في هذا العمل أن يزيد من جرعة الحكمة ورسائل التوعية الاجتماعية والتي تصلح لكل زمان، والأهم أنها جاءت في سياق الأحداث وفي مكانها الصحيح بلا موعظة أو خروج عن النص. 
أمام هذه النوعية من الدراما يجب التوقف عند تفاصيل المسلسل، والثناء على صناعته بهذه الجودة، وما يهدف إليه من مواجهة التطرف والإرهاب وتشويه الحقائق وتضليل الناس، بطريقة مختلفة وعبر شواهد من التاريخ تتناول قصة قائد قاتَل الخوارج وقضى عليهم وعاش في مرحلة تصاعد الحراك السياسي. 
متعة المشاهدة تكاد تكتمل لولا اعتماد المخرج محمد لطفي المبالغة في استخدام الحركة البطيئة وجاءت أحياناً في غير محلها، والأهم أنه أرهق عين المشاهد وبقي يطارده ب«أنصاف المَشاهد». لا نفهم لماذا يصور الشخصية في زاوية الشاشة، والباقي كله ظلال أو سواد أو بياض، وكأنه يخبئ الكاميرا خلف ستائر طوال الوقت.. تلك المدرسة القديمة في التصوير والإخراج لا تلائم أعمال اليوم، بل تُزعج دون أن تؤدي أي هدف درامي ولا جمال فيها، فلماذا استخدامها طوال الوقت؟ هذه التقنية تؤثر سلباً على المشاهد وتستفزه، بينما يشده حبه للعمل كقصة وسيناريو وحوار وتمثيل وتصميم وأزياء.. لاستكمال الرحلة مع هذا القائد. 
«المهلّب بن أبي صفرة» مسلسل جميل وجريء، نتمنى أن نشاهد الكثير من هذه النوعية في السنوات المقبلة مع تفادي بعض النقاط. نجح في اعتماده على خط الرومانسية، إنما كان من الأفضل ألا يطل الحديث عن الجواري ويستمر في أزمة الجارية رباب (ديمة قندلفت) مع ظالم بن سارق (خالد القيش) وأم المهلّب (روبين عيسى) لنحو سبع حلقات قبل أن يقدم لنا المهلّب شاباً. اختياره موفق للممثلين وفق أدوارهم، وكنا نتمنى اختصار التوطئة لندخل في صميم قصة القائد المهلّب واستناده إلى الحكمة والقراءة والوعي، وحرصه على التسامح ورفضه للظلم، والتركيز على الشق التاريخي الديني والاجتماعي أكثر من صراع النسوة على قلوب الرجال. 

جريدة الخليج