في الستين وما بعدها د. حسن مدن

د حسن مدن

في الصباح وجدت على تطبيق «واتس آب» فيديو لرجل وامرأه كبيرين في السن، أو دعونا نقل إنهما عجوزان، يشاركان في مسابقة للرقص، وبدوَا لي، بما كانا عليه من نشاط وطاقة وحماسة، أكثر شباباً من الشباب. طاقة إيجابية انبعثت في نفسي لمشاهدة الفيديو، فأعدت إرساله إلى بعض أصدقائي مذيلاً بعبارة: صباح الشباب الدائم.
بحثتُ ساعتها عن مقالٍ كنت قد قرأته في أحد مؤلفات سلامة موسى، مرجعي المفضل في مثل هذه الموضوعات، فعثرت عليه في كتابه: «دراسات سيكولوجية»، وفيه يعبّر عن الشفقة لحال موظفينا الحكوميين الذين يحالون على المعاش في الستين من أعمارهم، فيحسبون ذلك نذيراً أو إشارة بأنهم قد ولجوا سن الشيخوخة، ويتصرفون على ذلك الأساس، فيصابون بالانهيار السريع في صحتهم وفي نفسياتهم.
في زمن سلامة موسى، ناهيك عن زمننا نحن اليوم، فإن سن الستين تعد من أطوار الشباب التي ننتظر فيها الصحة والنشاط، ولكن الموظف الذي يجد نفسه فجأة وقد انقطع عن السعي كل صباح إلى مكتبه أو مكان عمله، ولا يستقبل عند يقظته سوى الركود أو القعود على المقهى للتمطي والتثاؤب وحديث القيل والقال مع المعارف والأصدقاء أو قتل الوقت بألعاب الحظ السخيفة، لن تمضي عليه شهور أو حتى أسابيع ليحس بتفاهة حياته وأنه زائد على المجتمع يستهلك ولا ينتج فتنهار نفسه ثم ينهار جسمه.
لمن لم يبلغوا سن التقاعد بعد، وأعتقد أن غالبية من يقرأ هذا الكلام الآن من ضمنهم، يقدم سلامة موسى النصيحة التالية: تعلموا أو مارسوا هواية قبل أن تبلغوا هذه السن. سن الأربعين مناسبة للبدء في ذلك إن لم تبدأوا بعد أو لا تملكون تصوراً أو مشروعاً للطريقة التي ستقضون بها مرحلة ما بعد التقاعد.
حتى في اللفظ، فإن مرحلة التقاعد تسمى بالمعاش، أي أنها مشتقة من العيش لا من الممات، ولإطالة العيش يجب أن يكون في حياتنا سعي وحركة واشتباك مع الحياة، دون أن يعني ذلك أبداً الانصراف عن مسرات الحياة الكثيرة كالسفر والقراءة وحضور الحفلات الموسيقية ومتابعة الرياضات التي نحب.
أعطى سلامة موسى مثالاً بالأستاذ أحمد لطفي الذي كان يومها في التسعين من عمره، ولكنه يحتفظ بنشاط ذهني ويواظب على عمله، ورغم أن أعضاء جسمه لم تعد قوية لكن نفسه القوية تشع صحتها على الجسم، فتمنحه القوة والقدرة على العطاء.
وفي محيط من أعرف يمكن أن أشير إلى صديقنا وأستاذنا الدكتور علي فخرو، وزير التعليم الأسبق في البحرين، وأحد أهم المشتغلين بالفكر في المنطقة الخليجية، الذي ما زال ذهنه متقداً، كما تدل على ذلك كتاباته ومجمل نشاطه المتفاعل مع قضايا أمته، بحماسة قد لا تجدها عند الشباب.
جريدة الخليج