نصائح في الكتابة – بقلم د. حسن مدن

13520183n

«لم أكتب بعد سطراً واحداً أراه ذا قيمة أدبية حقيقية. لا بد لي أن أدرس وأتعلم الأوليات فما زلت مؤلفاً فاشلًا».
من تخالون قائل هذه العبارة؟ يجب أن تنصرف أذهانكم إلى كاتب مبتدىء، بالكاد يضع رجليه على درب الكتابة، يسكنه الشعور بالتعثر وارتباك الخطى، ويقرأ للكُتّاب الكبار فيغبطهم على جمال ما يكتبون، وبينه وبين نفسه يتساءل: «كيف يمكنهم أن يفعلوا ذلك، وهل سيأتي، يا ترى، اليوم، الذي سأصبح فيه مثلهم؟».
منطق الأمور يفترض ذلك، لكن قائل العبارة هو أنطون تشيخوف، الكاتب العظيم. نعم! تشيخوف، وليس كاتباً مبتدئاً متعثر الخطى على درب الكتابة. ولم يقل تشيخوف هذه العبارة وهو شاب في العشرين من عمره، أو ما دونها، وإنما قالها قبل أقل من خمسة عشر عاماً على وفاته، أي بعد أن تكرست مكانته وقيمته الأدبيتان، هو الذي نال، وهو في السابعة والعشرين من عمره، جائزة بوشكين عن مجموعته القصصية «في الشفق» ك «أفضل إنتاج أدبي مُتميز بقيمة فنية عالية».
سيدهشنا كون هذه العبارة أتت على لسان تشيخوف، حين نقرأ عن النظام الصارم الذي كان يتبعه في علاقته مع الكتابة، التي هيمنت على اهتماماته، رغم كونه تخرج في كلية الطب، ومارس المهنة، جنباً إلى جنب مع الكتابة، ويروي بعض القريبين منه أن أمر الكتابة كان شاغله الأساس، لذلك كثيراً ما يسكت عن الكلام في وسط جملة يقولها، أو يبدو شارداً مشغول البال.
في بعض الأحيان كان يترك الحديث فجأة مع جلسائه، ليجلس إلى إحدى الطاولات فيُدوّن على عجل خواطر في قصاصات من الورق تلازمه دائماً، وعنه قال أحد أصدقائه: «بينما هو ينظر إلى محدثه يبدو فجأة كمن ينظر في أعماق نفسه»، أما تشيخوف نفسه فقد قال في وصف ذلك: «على الكاتب ملاحظة نفسه ملاحظة واعية، دائمة، حتى يصبح ذلك طبيعة ثابتة لديه».
في رسائله مع شقيقه ألكسندر، الذي كان يكتب أيضاً، ويرسل تجاربه إلى شقيقه، نجد رسالة جوابية لتشيخوف يُقرّعه فيها على كسله، بعد أن قرأ له مجموعة قصص كان ألكسندر قد كتبها: «كل القصص التي بعثت بها إليَّ كانت تشيع فيها روح الكسل. أتُراك كتبتها جميعاً في يوم واحد! إني لم أجد من بينها إلا قصة واحدة جيدة، أما البقية فمليئة بالكسل والتفكير السريع والارتجال، وهي لذلك لا قيمة لها، أتمنى عليك أن تكون أكثر احتراماً لنفسك، فلا تدع يديك تعملان إذا كان عقلك لا يشعر برغبة في العمل، ولا تكتب أكثر من فصلين في الأسبوع، ونقّحهما وراجعهما، حتى يحل عليك إلهام شيء يستحق أن يُكتب».
عبارة أخرى في رسالة ثانية للشقيق يلخص فيها تشيخوف الكثير: «إني لا أعدّ القصة التي لا حذف ولا تعديل فيها قصة جيدة». 

جريدة الخليج