You are currently viewing اختطاف فلسطين مستمر منذ هرتزل وحتى اليوم

اختطاف فلسطين مستمر منذ هرتزل وحتى اليوم

تواصلت فعاليات مؤتمر القدس المكان والمكانة، لليوم الثالث على التوالي، في فندق بارك روتانا، حيث عقدت أمس ندوة «الصراعات السياسية والدينية حول مدينة القدس عبر التاريخ»، بحضور حبيب الصايغ الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، رئيس مجلس إدارة اتحاد أدباء وكتاب الإمارات ورؤساء الاتحادات العربية.
ركزت الورقة البحثية بعنوان «فلسطين وبيت المقدس في عدد من كتب التفسير ودليل المكانة المقدّسة والصراعات المتأصّلة»، التي استعرضها في الجلسة، الدكتور حمد محمد بن صراي، أستاذ التاريخ والآثار في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الإمارات العربية المتحدة، على الإشارات التي وردت في كتب التفسير عن بيت المقدس وفلسطين كدلالة على الأوضاع السياسية والدينية التي كانت موجودة في المنطقة، خاصة ان هناك إشارات وردت في القرآن الكريم لقرية أو لأرض أو لمكان معين، وجد فيها بعض المفسرين وبعض رواة التاريخ أن المقصود بها بيت المقدس، أو الأرض المقدسة أو فلسطين، وهذا كله يدل على مكانة معينة تبوأتها المنطقة في نفوس الرواة والإخباريين بصورة عامة، كما تدل في الوقت نفسه على الإشكاليات والصراعات التي كانت موجودة في السابق، مشيراً إلى أن الرواة عندما وضعوا كتب التاريخ استفادوا من مفردات وسور القرآن الكريم التي أشارت إلى المكان المقدس فلسطين.
واستعان الباحث ابن صراي بعدد من الكلمات التي وردت في القرآن الكريم والتي لها تفسيرات متعددة ويقصد بها أماكن في القدس وفلسطين، مثل كلمة الأرض، المسجد الأقصى، الربوة، الباب، القرية وهي (أريحا)، المكان الشرقي، التين والزيتون، «جانب الطور الايمن» وكما جاء في بعض الآيات التي وردت في القرآن، منها على سبيل المثال لا الحصر «يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ» (سورة المائدة)، «واستمعْ يومَ ينادِ المنادِ مِن مكانٍ قريبٍ» ويقصد بها صخرة بيت المقدس التي يقف عليها إسرافيل فينفخ في الصور.

سرديات

واكد الباحث والناقد العراقي علي حسن الفواز في ورقته الموسومة «القدس.. المكان الواقعي والسرديات الكبرى للمثيولوجيا الإسرائيلية» أن الحديث عن القدس هو ذاته الحديث عن فلسطين وعن تعالقه مع قضايا تخص المكان، الهوية، الشعب والاستحواذ، مشيراً إلى أن صناعة السرديات الكبرى للميثولوجيا «الإسرائيلية» لا تنفصل عن الفكرة الشائعة التي تقول: ان التاريخ يصنعه الأقوياء والمنتصرون، وهو ما يعني تغييباً قصديا للوقائع والحقائق إزاء تضخيم وأسطرة تلك السرديات الكبرى، وتمثلاتها ومروياتها.

وقال ان هذه التمثلات هي ما سعت (السياسة «الإسرائيلية») إلى فرضها على ما هو تاريخي وزماني ومكاني، إذ عمدت إلى صناعة تاريخ مجاور، وسرديات مجاورة وفي اتجاه صناعة الوثائق والقصص والحكايات التي تؤكد فرضية الوجود بمعناه الديني/ المقدس أو العرقي أو الجماعاتي لوجود «إسرائيلي» مؤبد في فلسطين.
وأضاف الباحث، إن من اخطر تجليات هذا النوع من البحث هو الاتكاء على القصص الأدبية، والمقدس التوراتي من جانب، وعبر اصطناع تخيلات لقصصه وأسفاره وحروبه في المكان من جانب آخر، وباتجاه ما تسميه الأدبيات «الإسرائيلية» بالعودة إلى الوطن الأم أو الوطن الأمة، فضلا عن تحفيز الفاعلية الاستشرافية لدعم هذه العودة من خلال أسطورة البحث عن الهيكل – هيكل سليمان.
وأشار الفواز إلى أن خطاب الرئيس الأمريكي ترامب حول نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ليس جديدا، بل انه تكريس لموقف سياسي معروف للولايات المتحدة الأمريكية إزاء المسألة
الفلسطينية، ولتكريس ظاهرة تداول سرديات التاريخ الذي تصنعه القوة والقبول بفكرة (الدولة الدينية اليهودية) من خلال الإعلان والتصريح عن الشرعنة السياسية وعن السيطرة على القدس بوصفها الرمزي الديني والتاريخي.
صراع وجود

وقال الباحث والمؤرخ، نواف الزرو في ورقته التي قدمها باسم رابطة الكتاب الأردنيين إلى الجلسة بعنوان «صراع وجود وهوية وسيادة ومستقبل من هرتزل حتى ترامب»، انه ما بين زمن هرتزل وبعد نحو قرن وعشرين عاما، فان العنوان الذي يسود المشهد المقدسي اليوم هو أن الصراع على القدس والمقدسات بات واضحاً بانه صراع على الرواية والهوية والسيادة والمستقبل، في ظل موجات متلاحقة من الهجمات التهويدية التزييفية التي تهدف إلى تغيير معالم المدينة التاريخية والحضارية والدينية والتراثية.
وأكد الزرو أن التطور الأخطر في حكاية القدس جاء من قبل الرئيس الأمريكي رونالد ترامب الذي اعلن الاعتراف بأن القدس عاصمة ل «إسرائيل»، في قرار تاريخي يطوي صفحة عقود من السياسة الأمريكية ما يمكن أن يؤدي إلى موجة جديدة من أعمال العنف في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أننا نجد أنفسنا في النهاية كشعب عربي فلسطيني وكأمة عربية إسلامية أمام تحالف يمتد من هرتزل الصهيوني ويمر عبر نحو قرن وعشرين من الزمن، وهو ما يستدعي منا جميعا كعرب وفلسطينيين إعادة ترتيب الأوراق والأولويات والحسابات كلها لتعود الأمور إلى بداياتها، باعتبار الصراع صراعاً وجودياً وجذرياً مع المشروع «الإسرائيلي» ومن يقف معه من الغرب الاستعماري.

تغيير النظرة النمطية

وفي مداخلة للكاتب التونسي عبد المجيد دقنيش بعنوان «استحضار روح الفن الأزلية وتحنيط الذاكرة الثقافية لتغيير النظرة النمطية» استعرض من خلالها بعض الأقوال لعدد من المخرجين السينمائيين العرب والأجانب، الذين اكدوا أن الفن هو إعادة تشكيل الواقع المحيط وليس خلق واقع جديد، وأنه معركة إبداع وخلق وبحث عن وسائل إقناع مغايرة لتغيير النظرة القاصرة والصورة النمطية المشوهة والمتخلفة والسيئة التي يحملها الآخر عن الإنسان العربي وحضارته وتراثه ومعتقداته.
وأكد على أهمية توظيف الوسائل الفنية التي تحفر في الوعي الجمعي والمستقبلي وما للصورة السينمائية من قدرة الرسائل على التأثير في المتلقي والباحث عن صورة جديدة وخطاب جديد يبتعد عن لغة السياسيين الخشبية التي فشلت على مدى عقود من الزمن في حلحلة أزمة القضية الفلسطينية ولفت الانتباه إلى مدينة القدس وما تحمله من بعد رمزي تاريخي إنساني.
وقدم دقنيش في ختام مداخلته ثلاث توصيات، الأولى نشر مداخلات وبحوث هذا المؤتمر في كتاب وترجمته إلى ثلاث لغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، والثانية ان يتم التحضير لمؤتمر دولي حول القدس والقضية الفلسطينية يعقد في القدس بالذات وفي الداخل الفلسطيني لكسر الحصار عن الفلسطينيين والمقدسيين وإسماع العدو صوتنا الإبداعي والثقافي، أما التوصية الثالثة فأكدت على ضرورة جمع التبرعات لأهالينا في القدس.