من تراث الكانيبالزم – بقلم خالد القشطيني

15520.8

أصبحت ظاهرة أكل لحوم البشر شيئاً نادراً جداً، ولكن ما زالت هناك قبائل في جزر المحيط الهادي إلى عهد قريب تمارس هذا النوع من الطعام. ويسمي الأوروبيون هذه الأقوام «الكانيبال»، وهي كلمة ليس لها مرادف في لغتنا العربية، ولكن إذا استمرت الأحوال في سوريا وليبيا على ما هي عليه، فسيجدون مرادفاً لها.
وقد ازدحمت كتب الفكاهة الغربية بالنكات عن سكان هذه الجزر النائية. والغريب أن يجد الإنسان متعة نادرة في رواية هذه النكات، ولا أدري إن كان ذلك من باب الرغبة اللاشعورية لدى كل رجل في أن يأكل حماته، أو كل امرأة في أن تأكل ضرتها؛ هذه أمور لا أستطيع أن أفهمها حتى يتفضل أحد السادة فيأكلني، من باب العلم بالشيء خير من الجهل به.
كثيراً ما نسمع بالتشبيه الأدبي للحافلات المزدحمة بالركاب بأنها عبارة عن علبة سردين؛ إنه من دون شك تشبيه بليغ، ولكن باحثاً لغوياً سقط في يد عشيرة من الكانيبال، ولم يأكلوه لكل كلامه و«هذرفته»، ليعود إلينا ويروي أن ذلك التشبيه بعلب السردين أخذ في الواقع من تلك الأقوام من باب الاستعارة الأدبية. فقد حدث في أثناء وجوده بينهم هناك أن مرت طائرة جامبو فوق الجزيرة، فتعجب أحد الأطفال فسأل أمه عنها، فقالت له إنه شيء من نوع الجمبري، تأكل ما في داخله فقط!
وروى أحد الرحالة الأوروبيين أنه وقع مع زوجته في أيدي هؤلاء الكانيباليين، فقال رئيسهم إنهم لا يأكلون في تلك الجزيرة من تجاوز الأربعين من عمره، فتخشب بدنه، وقال ذلك الرحالة الأوروبي لزملائه إنها كانت المناسبة الوحيدة التي سمع فيها زوجته تعطي عمرها الحقيقي!
بالطبع، من السهل جداً أن نتهم هؤلاء القوم بالتأخر التام، وعدم الارتقاء من مستوى الحيوان، ولكنهم في الواقع يتميزون أحياناً بكثير من الحكمة والمنطق العقلاني. روي مثلاً أن أحد الرجال الأوروبيين التقى بزعيم إحدى هذه القبائل المعزولة كلياً عن العالم. وراح هذا الرجل يروي لزعيم القبيلة شيئاً عما يجري في البلدان البعيدة. كانت الحرب العراقية الإيرانية في أوج ضراوتها، فحدثه بشيء عنها، وذكر له أنه في يوم واحد قتل أكثر من ألف شخص، وأن مجموع من قتلوا في الحرب تجاوز الألف ألف رجل. لا يوجد مليونيرية بين أكلة لحوم البشر، ولهذا لم يتعلموا الحساب بالمليونات بعد.
بدت على زعيم الكانيبالية معالم الدهشة والاستغراب التام، فقال له الرحالة الأوروبي: لا شك في أنه شيء عجيب أن نقتل ألف رجل في يوم واحد، ولكنها الأسلحة الحديثة التي تقوم بأكثر من ذلك. أجابه زعيم الكانيبالية: «كلا كلا، إنني لا أستغرب من موضوع قتل هذا العدد الكبير؛ ما أتعجب منه هو كيف تأكلون كل هذا العدد الكبير من الناس في يوم واحد؟»، فضحك الرحالة وقال: «كلا، إننا لا نأكل كل هذا العدد من الناس؛ إننا لا نأكلهم، بل نتركهم بعد قتلهم»، فازداد الشيخ تعجباً: «هذه منتهى الحماقة! لماذا تقتلونهم إذا لم تكن عندكم حاجة لأكلهم»!

جريدة الشرق الأوسط