من أي معطف خرجوا؟ – بقلم د. حسن مدن

أصل هذا التعبير عائد إلى القول الشهير« »كلنا خرجنا من (معطف) غوغول« والذي اختلفت الروايات في نسبته إلى قائله، بين من يقول أنه ديستوفسكي وهذا هو الرأي الأكثر شيوعاً، وبين من ينسبه إلى تورجينيف، لكن ما يعنينا هنا هو أن المقصود رواية »المعطف« لغوغول، وكان مقصد قائل العبارة، أكان ديستوفسكي أو تورجينيف، الإشارة إلى أن »المعطف« هي التي أرّخت لبداية الرواية في روسيا.
تدور الرواية، صغيرة الحجم بالمناسبة، حول موظف بسيط يعمل نسَّاخاً في إحدى المصالح الحكومية بالنظر لجمال خط يده، وفي بلدٍ يغطيه الصقيع شهوراً طويلة في السنة يستحيل العيش بدون معطف ثقيل، ولأن »أكاكي« وهو اسم الموظف كان يعاني من العوز، فلم يكن لديه سوى معطف رث، كلما تمزَّق منه جانب أو انفتق أخذه للخياط لترقيعه، فمعاشه البسيط لا يسمح له بشراء معطف جديد، حتى بلغ حالاً لم يعد معها بالإمكان ترقيع المعطف لفرط تهلهله.
الأفضل قراءة الرواية لمعرفة ما آلت إليه أمور »أكاكي«، فالحديث هنا عن المعطف الدلالة لا عن معطفه بالذات. فهل يعني القول بأن كل كتاب الرواية الروس خرجوا من »معطف« غوغول أنه لم تكن هناك تجارب روائية في روسيا قبله؟
الإجابة ستكون قطعاً: لا. المؤكد أن هناك تجارب روائية سابقة، ولكن »المعطف« أحدثت النقلة الضرورية باتجاه نضج وتماسك الرواية، لتتوالى بعدها تجارب عمالقة الرواية الكلاسيكية في روسيا.
الراحل فالح عبدالجبار في تأبين مواطنه غائب طعمة فرمان طرح سؤالاً ذا صلة بالنقاش هذا، معتبراً أن الرواية العراقية الحديثة خرجت من معطف فرمان حين أصدر روايته »النخلة والجيران« عام 1965، مذكراً بحال اليأس التي سادت الوسط الأدبي العراقي قبلها حول الجدب الروائي في العراق، بين قائل إن العراق بلد الشعر لا بلد الروايات، وبين قائل: وما المشكلة إن لم تكن هناك رواية، ألم يتنبأ هيغل قبل قرن ونصف بموتها؟
هذا لا ينفي أبداً أن هناك تجارب يمكن تصنيفها في خانة الرواية سابقة ل«النخلة والجيران« إلا إنها كانت بسيطة وربما سطحية، فحتى لو منح بعضها صفة الريادة من حيث التوقيت، فإنه لا يمنحها صفة »المعطف« الذي منه خرجت الروايات الناضجة.
حال العراق ينطبق على بلدان عربية أخرى، حين يتعين على النقد أن يبحث عن الرواية المفصلية التي أسَّست فعلاً لما تلاها، لا عن تلك التي كانت أول ما صدر 

جريدة الخليج