جواز سفر للكلب إليز – بقلم خالد القشطيني

15520.8

عندما كانت ألمانيا منقسمة إلى شطرين، ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية، سمعنا الكثير من الحكايات المأساوية الناتجة عن انقسام الأسر، الشاب الذي يعيش في ألمانيا الغربية وخطيبته التي تعيش في ألمانيا الشرقية، ولا يسمحون لها بالالتحاق به، ونحو ذلك.
بيد أنني لم أتألم عن قصة كقصة الكلب إليز. كان يعيش مدللا في ألمانيا الشرقية مع أسرته التي قرفت من الحياة في ظل النظام الاشتراكي فقررت الهجرة إلى الغرب، وهي عملية شاقة تقتضي تحدي القانون والنظام والتسلل عبر الحدود، أو بالأحرى تسلق ما سمي بجدار برلين. كثيرا ما أطلق حرس الحدود النار على من يحاول ذلك ويردونه قتيلا. كانت المشكلة مشكلة الكلب إليز. لم تعبأ الأسرة بمواجهة هذا الخطر ومقتل أحد أفرادها، ولكنهم عز عليهم أن يعرضوا كلبهم لمثل هذا الخطر. لا بأس أن يرى الزوج امرأته تسقط ميتة من الجدار، وربما يفرح بذلك. ولكن للكلب حرمته وحقوقه. ربما لم يشعر بأي ضير من الحياة في ظل الشيوعية. وصعب عليهم استنطاقه ومعرفة رأيه في الموضوع. أيفضل العيش في ظل النظام الاشتراكي أم العيش في ظل الرأسمالية؟ لم يستطيعوا الحصول منه على أي جواب. قرروا اقتحام الحدود إلى ألمانيا الغربية وتركوا إليز وراءهم.
الكلاب حيوانات معروفة بإخلاصها لأصحابها وتعلقها بهم. سرعان ما افتقدهم هذا الكلب. راح يجري في الطرقات وينظر في وجوه الناس دون جدوى. ورغم عطف القوم عليه وإعطائه حصة من تموينهم، فإنه فقد الشهية للأكل. بدأ يذوي ويخس. لاحت مظاهر الاكتئاب في وجهه. فقد حتى الرغبة في المشي وأخذ الشعر الجميل يسقط من جلده. نعم ساءت أحواله تماما.
سمعت أسرته بما حصل فرق قلبها له. راحوا يتوسلون بالجمعيات الخيرية، جمعية الرفق بالحيوان وجمعية رعاية الكلاب وجمعية الصليب الأحمر. أخذوا يضغطون على الحكومة لتتدخل في شأنه. أصبح موضوع إليز موضوعا شغل الجميع. راحت الصحف الغربية تندد بقسوة النظام الاشتراكي وتلح على حكومة ألمانيا الشرقية بأن تسمح له بتخطي الحدود، ولو ليوم واحد، للالتقاء بأسرته وتناول الطعام معهم. وأخذ المواطنون في ألمانيا الشرقية ذاتها يثيرون أمره ويتبنون قضيته.
توسط وزير داخلية ألمانيا الغربية للشؤون الألمانية لدى وزير الداخلية لألمانيا الشرقية بشأن هذا الكلب، باعتباره مواطنا ألمانيا راجيا النظر لقضيته كقضية خاصة، والسماح له للهجرة إلى الغرب للالتحاق بأسرته. وهذا ما كان. أصدروا جوز سفر خاصا به يحمل اسمه وصورته والعبارة الرسمية: «على كافة ممثلي السلك الدبلوماسي والقنصلي والهيئات والمؤسسات الوطنية والدولية تقديم كل المساعدات والتسهيلات لهذا المواطن حامل هذا الجواز». علقوه على رقبته وساروا به إلى بوابة برلين، حيث وضع شرطي الحدود الختم الرسمي بالمرور على الجواز وفتح له البوابة ليمر.
وهناك في استقباله وقف جمهور غفير من الصحافيين والمصورين بالإضافة إلى أسرته التي غمرته بالاحتضان والقبل والدموع.

جريدة الشرق الاوسط