الغابة الجميلة – بقلم حارب الظاهري

حارب-الظاهري

جميل حين تصعد الجبل، بكثيف أشجاره، وجميل أن تشعر بنفسك تحاور الطبيعة، وحدك في تحد مع النفس، ترى المسافة بعيدة ومثيرة في علوها، ولا ترى أحداً إلا بين فينة وأخرى. صعود الغابة بممراتها الملتوية، تثير في نفسك خيالات السنوات، قد تفاجئك بكبار السن أو متوسطي العمر يمارسون رياضة الصعود، وعادة ما يفضل زوار «زلامسي» استخدام «التلفريك» من أجل رؤية المدينة في تدرجها حتى تبدو وكأنها قطعة من القلب.

بعد حين سمعت امرأة سبعينية تقترب، وتحادثني بروح تحفها الطيبة، نظرت إليها بمرارة، وتساءلت في قرارة نفسي عن سبب صعودها المذهل، كأنها من الأرض خرجت، تحادثنا قليلا حول أي الاتجاهات نسلك، فلا مجال للتوقف. وتابعنا المسار والحديث عن المسافات، فيما هي لديها قصة أخرى مع الحياة تسردها، ولهاثي يصعد وينخفض بينما هي تبدو عادية، وتبدو رائحة الغابة عطرة، فبعض الأشجار تلتف على بعضها بكل ود، وبعضها يتنافر في انفصال تشع منها الشمس وترتسم الظلال محتشدة.

تغرّد عصافير الغابة، وتهمس مع خرير الماء، وهي تستوقف العابرين وتستدل منهم ما يجعلنا نطمئن على طريقنا، وعبرت إحدى السيدات على دارجة، فأحالت مسارنا إلى مقهى آخر، بعدما بيّنت أن المقهى الذي نتجه إليه قد أقفل، ما يعني أن رحلتنا ستمتد إلى مسافة أطول.

وكانت السيدة لا تمل من مناكفة المارة وممازحتهم، فسألت أحدهم، إن أمكن أن يأخذنا إلى المقهى المقصود بسيارته رباعية الدفع، فاعتذر ضاحكاً، ثم تبين بأنه صاحب المقهى فقبلنا اعتذاره. وحين وصلنا شعرنا بانتصار لذيذ على الطريق وعلى صاحب المقهى، الذي قدم لنا القهوة والماء والنصائح التي نحتاجها بطريق العودة.

جلسنا بالمقهى لوقت قصير، رغم جمالية المكان، إلا أن الطريق جرّنا إلى النزول الصعب والمتموج بقساوة شديدة، وفي هذه الأثناء واصلت السيدة سرد رحلتها مع الحياة. إذ بعد رحيل زوجها أصبحت تفتقد رفيق اللحظات، وأصبح تواصلها مع الأصدقاء قليلًا، ابنتها تسكن بنفس مدينة «هيلدنبيرغ»، لكنها قلما تسمع عنها أو تراها، أما ابنها فيعيش في أستراليا مع أسرته الصغيرة، ويعيش أبناؤه في قلبها وهي تؤثر أحدهم الذي سمي على اسم أبيها، فبعد حياة العناء باعت بيتها الجميل، لتنتقل لشقة مستأجرة وتكتفي بأثاث قليل يذكرها بالراحل، واكتفت بحياة بسيطة لترحل في الحياة متى أرادت وإلى المكان الذي يجدد حياتها.

جريدة الاتحاد