مقامات الهمذاني في البحرين – بقلم د. حسن مدن

د حسن مدن

استمتع أهل المسرح ومحبوه في البحرين، نهاية الأسبوع الماضي، بمشاهدة العرض المسرحي «مقامات الهمذاني»، من تقديم فرقة مغربية متميزة، أهدت العرض إلى ذكرى الفنان المسرحي الكبير الطيب الصديقي، وإلى كل من يحب الضحك وينقله إلى كل مَن هم حوله.
وحسب الممثل مصطفى الهواري، فإن الهدف من عرض مقامات بديع الزمان الهمذاني، هو «المزج بين استحضار الموروث الثقافي العربي وبعض الملامح من المسرح الحديث مجسداً بذلك الاحتمالات الفنية الإيجابية للحوار الحضاري على خشبة المسرح»، وحضر في العرض: «القول العميق والحكمة البليغة والكلام الموزون المقفى».
نجح العرض، والممثلون الرائعون الذين قدّموه، رجالاً ونساء، في بث المتعة والفرح في صفوف الجمهور الذي حضر العرض المسرحي على خشبة الصالة الثقافية في البحرين، والذي تضمّن أيضاً، قصائد الملحون والتراث الأندلسي والقوافي والأمثال القديمة المأثورة، وبعض الأجواء الاحتفالية الشعبية الجميلة في المغرب.
المسرحية المهداة إلى الطيب الصديقي استلهمت الكثير من روحه وتراثه المسرحي، هو الذي نهل من التراث العربي الإسلامي موضوعات العديد من أعماله المسرحية، رغم أنه لم ينغلق على التراث المسرحي العالمي، حيث تجلت انشغالاته المسرحية المستوحاة من التراث العربي الإسلامي في أعمال لافتة مثل مسرحية «كان يا ما كان» التي اعتمدت على الرمز الحكائي لقصص وحكايا ألف ليلة وليلة، ومسرحية الغفران المستوحاة من رسالة أبي العلاء المعري، وبرع أيضاً في تقديم «الإمتاع والمؤانسة»، عن حياة أبي حيّان التوحيدي، وأيضاً مقامات بديع الزمان الهمداني، التي نجح في تحويلها إلى عمل مسرحي متقن.
العرض المسرحي الذي شاهدناه في البحرين يعود إلى تصوّر الصديقي دون أن يكرّره، وهو يتقاطع مع منهجه في التعامل مع أكثر النصوص إضاءة وعمقاً في تراثنا، في تجسيدها لقيم العقلانية وحرية التفكير، وإسقاطها على قضايا الحاضر، في تحريضها العقل على الاستيقاظ من وهدته، والاستجابة لما يطرحه العصر من قيم كونية، على العرب تمثّلها في المنعطف التاريخي الذي يعيشونه.
والمقامات التي يعود الفضل في وضع أسس فنها إلى بديع الدين الهمذاني هي مجموعة حكايات قصيرة متفاوتة الحجم جمعت بين النثر والشعر، البطل فيها هو شخص متخيل يدعى أبو الفتح الإسكندري، عرف ب «خداعه ومغامراته وفصاحته وقدرته على قرض الشعر وحسن تخلصه من المآزق إلى جانب أنه شخصية فكاهية نشطة تنتزع البسمة من الشفاه والضحكة من الأعماق»، أما راوي هذه المغامرات فهو بدوره شخص متخيل يدعى عيسى بن هشام.
ساعة ونصف الساعة، هي المدة التي استغرقها العرض حفلت بأداء جميل، جذّاب، ورغم تعذر فهم بعض المفردات باللهجة الدارجة المغربية، لكن المخرج نجح نجاحاً كبيراً في إقامة نقلات سلسة بين اللهجة الدارجة وفصاحة اللغة العربية وجمالها وجزالة مفرداتها، وهو ينتقل بنا من لوحة إلى أخرى من لوحات العرض. 

جريدة الخليج