النقد الإيجابي ! – بقلم خيري منصور

9620182

الشائع لدى كثير من الناس، هو أن النقد سلبي فقط، ووظيفته تقصّي الضعف والمآخذ، لكن الحقيقة ليست كذلك، فالنقد يمكن له أن يكون إيجابياً ويرصد المزايا وليس العيوب، وأحيانا يأتي تعبيراً عن حب وإحساس بالمسؤولية. لهذا كان الروائي الأمريكي هنري ميلر من أشد الكتّاب نقداً لأمريكا، لكنه كان يقول إنه يفعل ذلك لأنه أمريكي مئة في المئة، ويحب لبلاده أن تكون أفضل وأبهى مما هي عليه. 
وكما أسيء فهم ميلر وغيره أيضا كجيري روبين، يساء فهم الكثير من المثقفين الذين يحرصون على الارتقاء بصورة أوطانهم، فيتصور البعض أنهم بالنقد الإيجابي الهادف إلى ما هو أفضل، إنما يعبّرون عن نقص في الانتماء أو عن عواطف سلبية إزاء مجتمعاتهم. وخطورة مثل هذا النقد هو استثماره إعلامياً وتسليط الإضاءة على زوايا منه على طريقة، لا تقربوا الصلاة. وقد حدث ذلك مراراً، ومنه على سبيل المثال، الكتاب الذي أصدره الراحل صادق العظم بعنوان: «نقد فكر المقاومة»، وكان للرجل ملاحظات على ظواهر سلبية في المقاومة الفلسطينية في سبعينات القرن الماضي، وسرعان ما استثمرت الميديا «الإسرائيلية» هذا النقد، وبدأت تذيع فصولاً من الكتاب، رغم أن ملاحظات د. العظم كانت وليدة حرصه على سلامة فكر المقاومة وتحريرها من الشوائب التي تسللت إليها.
وقد يتردد بعض المثقفين في ممارسة النقد حتى لو كان ذاتياً خشية من الترصد والتأويل، وإساءة الفهم، والنقد ليس تعبيراً عن الكراهية بل هو تعبير صادق عن الرغبة في تجاوز الواقع.
وما قاله هنري ميلر عن الدوافع النبيلة للنقد تفهّمه المواطن الأمريكي، وقرأه ببراءة بعيدة عن سوء الطويّة.
النقد إفراز حضاري بامتياز، وفي غيابه تتحوّل الأخطاء إلى خطايا، وتحرم المجتمعات من مراجعة المواقف والممارسات، وتأخذها العزّة بالإثم.

جريدة الخليج