ميثاق شرف للترجمة إلى «العربية» – بقلم طالب الرفاعي

طالب الرفاعي

ليس من جدلٍ حول أهمية الترجمة، وأنها لعبت دوراً مهماً عبر التاريخ البشري لانتقال المعرفة الفكرية والإبداعية الإنسانية من مكان إلى آخر، ومن جيل إلى جيل. بل إن أحد أهم أدوارها يتمثّل في حفظ المعرفة والإبداع والتراث الإنساني، وبقائه شاهداً على عوالم وأخبار وحياة وبيئات البشر أينما كانوا.

الترجمة الأدبية كنشاط إنساني وكممارسة، تحتاج كأي ممارسة إنسانية إلى الدراسة والخبرة، ومن ثم الممارسة بغية الصقل.

لذا ليس بمقدور كل من عرف لغة ثانية إلى جانب لغته الأم أن يترجم، من لغته إلى اللغة الجديدة التي عرفها أو العكس. فمن نافل القول الإشارة إلى أن الترجمة من لغة إلى لغة ثانية، يتطلب بالضرورة معرفة وإلماما تامين بعوالم اللغة الأم، نحواً وصرفاً وقراءة وكتابة، وكذلك معرفة موسوعية وإلماما كبيرة بعوالم اللغة المراد الترجمة منها، بما في ذلك طبيعة البيئات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وما درج عليه أهل تلك اللغة من عادات وتقاليد.

ففي اللغة العربية، كما في غيرها من اللغات، حرف واحد يغيّر معنى الكلمة، بل نقطة وأكثر من ذلك تشكيل الكلمة بالفتحة والضمة والكسرة. وكم يبدو الفرق شاسعاً بين كلمة «مُعَالِجْ» وكلمة «مُعَالَج»، وكم تراه يلزم المترجم من جهد ومعرفة وتعمّق باللغتين المنقول منها والمنقول إليها، كي يستطيع أن يترجم النص بعوالمه وأجوائه ونكهته، خاصة مع صحة مقولة: «الترجمة خيانة».

لقد انتشرت في السنوات الأخيرة، ومع كثرة دور النشر العربية، وازدهار سوق الكتاب العربي عبر معارض الكتب، وعبر الجوائز، وعبر شبكات التواصل الاجتماعية، انتشرت ترجمات إلى اللغة العربية، ومن مختلف اللغات وعلى الأخص الإنكليزية والفرنسية وربما الروسية، ترجمات أدبية في الرواية والشعر وكتب السيرة وكتب اللقاءات الأدبية مع مشاهير الكتابة الإبداعية، وشيء من القصة القصيرة وربما المسرح، ترجمات أقل ما يمكن أن يُقال بحقها إنها ترجمات ظالمة! ظالمة بجورها على النص الأصلي وكاتبه، وظالمة بإساءتها إلى قواعد وأصول وعبارات اللغة العربية، وأخيراً ظالمة بحق القارئ العربي والعالمي الناطق باللغة العربية.

إن العبث الحاصل في الترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية، من بعض المترجمين، ومن بعض دور النشر، له أكثر من وجه: فهو يقوم بالأساس على مترجم متعطش للشهرة والحضور الأدبي الاجتماعي وربما التكسب المادي السهل، وهو أيضاً ينهض على ناشر شرِه يتحرى الربح المادي دون أي رادع أو وازع أدبي أخلاقي، وأخيراً يعتمد على قارئ يتلقف ما يُقذف إليه من دور النشر، بغية معرفة وتسلية مشروعتين.

إننا إذ نعيش في عصر الإنترنت، ومحركات البحث، ومواقع التواصل الاجتماعي، فلقد صار من المهم الالتفات إلى حقوق الملكية الفكرية، والتعامل مع النص الإبداعي بوصفه ملكا خاصا للكاتب والناشر ومن يمثّلهما. لكن الحاصل هو سطو وسرقة علنية من بعض المترجمين ضعاف النفوس، ومشاركة بائسة من ناشرين لا يفرّقون بين العبث والمسؤولية، وتشويه مؤلم لمادة كتب إبداعية رائعة، وأخيراً تشكيل ذائقة قارئ بطعم بائس تعافه النفس السوية والعارفة بأصول الإبداع.

الترجمة الأدبية مهمة، ومهمة جداً، وما أحوجنا في الوطن العربي إلى ترجمات عصرية إنسانية متطورة، تنير العقل وتطرب النفس بجديد النتاج الفكري الإنساني الإبداعي. لكن ما بات مهماً ومُلحاً أيضا، هو ميثاق شرف للترجمة إلى اللغة العربية. ميثاق شرف يساهم ويشارك في صياغته اتحاد الناشرين العرب، واتحاد الكتّاب العرب، ومؤسسات ثقافية رسمية وأهلية، ومراكز بحث ودراسة، وجوائز عربية مرموقة، وأي جهات أخرى يكون حضورها مهماً. يلزمنا ميثاق شرف للترجمة إلى اللغة العربية، وذلك لإعلاء الترجمات الرائعة، والوقوف بوجه الترجمات البائسة. وطرد كل طارئ على مهنة الترجمة العظيمة.

الجريدة