سارة طلعت نصّابة – بقلم علي عبيد الهاملي

علي عبيد الهاملي

الحكاية بدأت بقصة نشرتها الفتاة المصرية سارة أبو الخير على حسابها في إنستغرام. القصة ألهبت مواقع التواصل الاجتماعي، وجعلت من سارة أبوالخير، في أقل من 24 ساعة، نجمة يتداول قصتها المغردون والناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، وأخذت سارة تتلقى التهاني من كل مكان على الإنجاز الذي حققته، فتواصلت معها بعض القنوات الفضائية وطلبت استضافتها في برامجها الجماهيرية.

هنا شعرت سارة بالورطة التي أوقعت فيها نفسها، فاعترفت بأن الأمر كان مجرد مزحة، وأنها كانت تعد دراسة حول مواقع التواصل الاجتماعي، وقالت إنها كانت تقوم بتجربة لاختبار قوة وتأثير هذه المواقع، وكيف أنها تستطيع أن تخلق أشخاصاً مشهورين من أشياء تافهة، وكيف يمكن اكتساب شهرة من لا شئ.

القصة التي نشرتها سارة عبر حسابها على إنستغرام تقول إنها قد تواصلت مع وكالة الفضاء الأميركية «ناسا»، واقترحت عليها شواء اللحوم والدواجن على نيران صواريخ الفضاء قبل انطلاقها، الأمر الذي سيؤدي إلى فوائد جمة، منها الحفاظ على البيئة.

ولم تكتف سارة بهذا، بل قالت إن «ناسا» أعجبت بالفكرة التي عرضتها، وردت عليها بالفعل، ودعتها لحضور عشاء مع الفريق ومناقشة الفكرة، وأرفقت صورة «سكرين شوت» من رسائلها مع ناسا. وأضافت أنها قالت لمسؤولي «ناسا» إنه كلما أطلقوا صواريخ كان متاحاً عمل حفلات شواء أكثر وتصدير منتجاتها للعالم، باعتبار أن هذه لحوم تم شواؤها على نيران صديقة للبيئة.

وإمعاناً في حبك قصتها، نشرت سارة العديد من الرسائل، قالت إنها متبادلة بينها وبين الوكالة والمواقع والصحف العالمية التي تواصلت معها بسبب الفكرة. وقد فوجئت بتداول شخصيات شهيرة القصة، وباتصال عدد كبير من وسائل الإعلام العالمية والعربية للحصول منها على تصريحات حول الفكرة.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل كانت المفاجأة أن شركات كبيرة تواصلت مع الفتاة للحصول على فكرتها وتنفيذها، وصدقها الآلاف من رواد التواصل الاجتماعي، خاصة مع إرفاق صور لرسائل من المفترض أنها تلقتها من شخصيات عامة وشركات كبرى، ومشاهير وهم يتفاعلون مع فكرتها، ويقدمون لها عروضاً، مثل «سبيس إكس» و«بزفيد» و«نتفليكس».

أما أطرف ما في القصة فهو أن الفتاة تلقت طلبات زواج من شباب مصريين يريدون الارتباط بها، والسفر معها لمساعدتها في تنفيذ فكرتها الملهمة، لتخرج سارة على الجميع في النهاية وتوضح أن الأمر كله كان مجرد دعابة ومزحة، وأن الرسائل التي نشرتها على حسابها كانت مجرد «فوتوشوب» من تصميمها، مؤكدة أن أيًّا من مسؤولي «ناسا» لم يتواصل معها.

«سارة طلعت نصّابة» هو العنوان الذي وضعته بعض المواقع الإلكترونية التي نشرت قصة سارة أبو الخير، كما أنه التعبير الذي استخدمه أحد المغردين بعد اعتراف سارة بأن القصة كلها مختلقة ومفبركة، خاصة بعد أن تداول القصة ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي، منوهين بأن بساطة الأفكار يمكن أن تحدث تغييراً جذرياً للفرد.

فهل كانت سارة «نصابة» فعلاً، أم أننا نحن الذين أصبحنا «مغفلين» إلى الدرجة التي يمكن معها أن ننخدع بقصة مثل هذه، لمجرد أن يستطيع ناشط من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي استخدام مهاراته الخاصة في استخدام الفوتوشوب، وإقناعنا بقصة من الصعب تصديقها لو كان لنا عقول نفكر بها، أو كان لدينا قليل من التأني والبحث والتحري؟

قصة سارة أبوالخير تطرح من جديد موضوع وسائل التواصل الاجتماعي، ومدى قدرتها على صنع أبطال وهميين، وآخرين من ورق، ناهيك عن خداعنا وجعلنا ننساق وراء قصص وأخبار مختلقة، لمجرد شغفنا بهذه الوسائل، وثقتنا بها، واعتبارها المصدر الأول والوحيد لما نستقيه من أخبار ومعلومات.

كما تطرح هذه القصة أيضا إلى أي مدى يمكن أن تنخدع حتى وسائل الإعلام التقليدية، التي نفترض أنها أكثر مصداقية، بهذه الوسائل، وتستقي أخبارها وموضوعاتها منها، وتسعى إلى استضافة ليس مشاهيرها فقط، وإنما الذين يكتسبون شهرتهم الآنية على منصاتها، من خلال قصص مختلقة مثل قصة سارة أبوالخير، التي كان واضحاً من اللغة التي استخدمتها في صياغة رسائل «ناسا» أنها مفبركة، ناهيك عن أن يكون مصدرها هو وكالة الفضاء الأميركية، لو كانت صحيحة، وليس سارة التي نتوقع أن تكون صادقة حين قالت إنها اختلقت القصة في إطار الدراسة التي تجريها حول تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، وقدرتها على جلب الشهرة لأناس مغمورين، ربما كانوا يتصفون بالتفاهة، ولأشياء تافهة لا تحمل قيمة، ولا تضيف للمتلقين الذين يتابعونهم شيئاً.

في دراسة أجراها باحثون أميركيون حول ظاهرة انتشار الأخبار والمحتويات الزائفة عبر التغريدات على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، ثبت أن الأخبار الزائفة تنتشر بوتيرة أسرع من الأخبار الحقيقية.

واستند الباحثون في دراستهم إلى تحليل مضمون حوالي 126 ألف تغريدة نشرت بين عامي 2006 و2017، حيث وجدوا أن ثلاثة ملايين شخص قاموا بإعادة تغريد هذه القصص الإخبارية غير الصحيحة أكثر من 4 ملايين ونصف مليون مرة. وخلصوا إلى أن المحتويات الزائفة لديها فرص انتشار بنسبة تتجاوز 70% مقارنة بالحقيقية.

سارة لم تكن «نصّابة» لأن قصة مثل هذه التي نشرتها من السهل اكتشاف تأليفها، فوكالة «ناسا» ليست محل إصلاح إطارات في شارع خلفي بقرية من قرى دول العالم الثالث. سارة أرادت أن تكشف لنا «النصّابين» الذين يؤلفون كل يوم آلاف القصص الوهمية ويحاولون إقناعنا بأنها حقيقية، فننخدع بها دون أن نكتشف هشاشة نسيجها وسذاجة محتواها.

جريدة الاتحاد