نظرة مختلفة إلى الأصالة – بقلم عبداللطيف الزبيدي

عبد اللطيف الزبيدي

ما هو مفهوم الأصالة لدى المثقف العربي؟ سيقال فوراً: أليس من التخلف الثقافي أن يطرح أحد مبحثاً كهذا حسبناه في عداد المطمورات الثقافية؟ لا بأس، فمثل هذا الاعتراض يسنده المنطق العلمي. الأصالة اشتقاق من الأصل، وهنا المخمصة، فالأصل، في ما لم يفكّر فيه أهل المعاجم، هو الأساس أو المرجع الذي لا شيء قبله.
زوبعة الأصالة كمعركة بين فئتي المنتصرين للقديم أو للتجديد، كلام فارغ أضاع فيه أدباء ونقاد كبار عقوداً طويلة. الحسم بسيط: هات إبداعاً حقيقياً وأنت حرّ في الأشكال والأجناس. تخيّل لو ظلت الفنون على ما كانت عليه قبل ألفي سنة. الأمر هيّن في مستوى المدارس الأدبية والفنية والأساليب. لكن القضية تغدو عصيّة على التناول والبحث حين نطرح أصالة اللغة. هذا الموضوع ليس ثقافياً تماماً، ولا لغوياً بالكمال. إذا أضفنا العلوم إلى الثقافة فالمبحث ثقافي. لا يمكن الغوص والخوض من دون اللغات السامية والأفروآسيوية، والأنثروبولوجيا وفرعها الثقافي وما إليها. هذا في جانب البحوث التقليدية، فثقافة المستقبل ستكون متحرّرة من الزحف الحلزوني المألوف. ستدخل العلوم ميادين الثقافة من أوسع الأبواب. ستصبح الحواسيب وبرمجياتها وخوارزمياتها، ومجموعة كبيرة من العلوم كتقانة النانو وغيرها، أدوات ثقافية في صميم دراسة الماضي الثقافي.
أمّا في علوم اللغة، اللغات المقارنة، اللسانيات، في التأصيل والتجذير، في فقه اللغة، فستشهد الأجيال المقبلة ثورات ثقافية تلعب فيها العلوم أدوار بطولة لم يحلم بها تاريخ. خذ مثلاً: لكي تكون لديك نخبة من الأفذاذ المحيطين باللغات ذات العلاقة بالعربية، وهي عدد كبير، تحتاج إلى مواهب استثنائية وكدح عشرات السنين، في حين يستطيع الحاسوب العملاق، متى حظي ببرمجة عملاقة وموسوعية، أن يصنع المعجزات، والتطوير المستمرّ يبدع الخوارق. نحن على يقين من أن البحوث الحقيقية في كل المجالات الثقافية العربية، لم تخط حتى ميلها الأول على طريق الألف ميل.
لزوم ما يلزم: النتيجة التحقيقية: لغتنا، تاريخنا، أدبنا وثقافتنا بأسرها، لا نعرف عن حقيقة أصالتها شيئاً يُذكر. ادّعاء الإحاطة بها دعابة. 

جريدة الخليج