الحَجَّاج والمرأة – بقلم خالد القشطيني

15520.8
هناك كره متبادل بين الحَجَّاج وبين العراقيين. ولا أدري إن كان هناك سبب نفسي في ذلك. احتقره القوم لسوء منبعه. ترددت عنه حكايات مهينة كثيرة. منها حكايته مع هند بنت النعمان. كان له هوى بالجمال. وكان لها حظ كبير في ذلك. فخطبها وتزوج بها ورحل معها للعراق. فضلاً عن جمالها اشتهرت أيضاً بالفصاحة والأدب. دخل عليها يوماً فرآها تنظر في المرآة وتقول:
وما هند إلا مهرة عربية
سليلة أفراس تحللها بغل
فإن ولدت فَحْلاً فلله درها 
وإن ولدت بغلاً فجاء به بغل
فانصرف الحجاج عنها، ثم أنفذ إليها عبد الله بن طاهر ومعه صداقها مائتا ألف درهم، وقال له طلقها بكلمتين، ولا تزد. فدخل إليها ابن طاهر، وقال: «يقول لك أبو محمد الحجاج: كنت فبنت». وسلم لها المبلغ. فقالت «اعلم يا ابن طاهر: إنَّا والله كنا فما حمدنا، وبنا فما ندمنا، وهذه المائتا ألف درهم بشارة لك بخلاصي من كلب بني ثقيف».
سمع بخيرها وجمالها عبد الملك بن مروان فبعث إليها يخطبها، فكتبت إليه تقول: «اعلم يا أمير المؤمنين إن الإناء ولغ فيه الكلب». فلما قرأ الخليفة كتابها ضحك من قولها، وبعث إليها يقول: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات، إحداها بالتراب».
فلما قرأت كتاب عبد الملك لم يبق لها عذرٌ، ولكنها عادت فكتبت إليه تضع شروطها. قالت أنْ يقود الحجاج محملي من المعرة إلى بلدك التي أنت فيها، ويكون ماشياً حافياً بحليته التي كان فيها أولاً». فلما قرأ عبد الملك كتابها استغرق في الضحك ثانية. وأنفذ إلى الحجاج يأمره بذلك. لم يعد إليه غير أن يمتثل لأمر الخليفة شأن كل بيروقراطي. 
فأنفذ إليها بالتجهز فجهزت، وسار الحجاج في موكبه من الكوفة إلى المعرة بلدها، فركبت هند في محمل الزفاف، وحولها جواريها وخدمها. وأخذ الحجاج بزمام البعير يقوده ويسير بها، فيما كانت تتواغد وتسخر منه مع دايتِها. ثم أمرتها بأن تكشف سجف المحمل فكشفته، فوقع وجهها على وجهه، فانطلقت بالضحك عليه، فأنشد يقول لها:
فإن تضحكي مني فيا طول ليلة 
… إلى آخر ما قال
فردت عليه تقول:
وما نبالي إذا أرواحنا سئمت 
بما فقدناه من مال ومن نشب
فالمال مكتسب والعز مرتجع 
إذا النفوس وقاها الله من عطب
ولم تزل كذلك تضحك وتلعب إلى أن قربت من قصر الخليفة، فرمت بدينار إلى الأرض، ونادته قائلة: «يا جمّال قد سقط منا هذا الدرهم فارفعه إلينا».
نظر الحجاج إلى الأرض، فلم يجد غير دينار، فقال إنما هو دينار. فقالت بل هو درهم. وعاد فقال بل دينار. فقالت: «الحمد لله. سقط منا درهم فعوضنا الله بدينار!».
فطأطأ الحجاج رأسه خجلاً، وسكت، ولم يعرف كيف يجيب عن سخريتها الماضية.
 
الشرق الاوسط