هل يعود زياد الرحباني إلى رشده السياسي بعد «حدث» مهرجان بيت الدين؟ – بقلم عبده وازن

abdowazn

يعود الفنان زياد الرحباني إلى جمهوره اللبناني في حفلتين يحييهما غداً وبعد غد في مهرجان «بيت الدين» بعد اعتزال دام أكثر من ثلاثة أعوام عاش خلالها حالاً من الانتكاس النفسي جعله ينقطع حتى عن أصدقائه. لكنّ زياد ما برح يمثل «أيقونة» شعبية تجتمع حولها أجيال رافقته منذ إطلالاته الأولى، موسيقياً ومسرحياً، على رغم «المهاترات» السياسية التي أوقعته في «زواريب» السياسة اللبنانية الضيقة، فراح يتخبط في متاهتها، متخلياً عن ماضيه النضالي، العلماني والإنساني. الحفلتان ستكونان بمثابة الحدث الكبير الذي تنتظره الساحة الفنية اللبنانية، موسيقياً وغنائياً. هذه الساحة تغدو فارغة كلما غاب عنها زياد، مثلما تبدو بيروت ناقصة كلما افتقدت مسارحها إطلالات زياد. بطاقات الحفلتين نفدتا باكراً مع أن الجمهور ما زال يخشى «مزاجية» زياد التي حملته أكثر من مرة على إلغاء حفلات كانت بطاقاتها بيعت كلها. يعود زياد بقوة في عرض موسيقي– غنائي، وليس في حفلة مجرد حفلة، ومعه فريق من مغنين وعازفين وفنانين وتقنيين يفوق المئة. والمفاجأة هو جديده الموسيقي والتلحيني، من مقطوعات وأغانٍ سوف تتشارك في أدائها أصوات شابة، رحبانية غالباً، من أمثال: منال سمعان، حازم شاهين، ربيع الزهر… وستطل مغنيات أدين في حفلاته سابقاً أغنيات أجنبية. أما الفرقة الموسيقية الأوركسترالية فتضم عازفين من لبنان وسورية ومصر وأرمينيا، وستعزف ما كتبه ودونه لها زياد وترافق المغنين في نسيج موسيقي بديع وتوزيع «زيادي» بامتياز. وكعادته سيعزف زياد على البيانو على رغم الألم الذي يعانيه في الظهر والذي بدا واضحاً في انحناءة كتفه. وتتخلل الأغنيات والمقطوعات قراءات من نصوص مختارة من «ريبرتوار» زياد أيضاً. وسيكون الممثل القدير طارق تميم الذي يعد اليد اليمنى لزياد، في مقدم هذه القراءات. أما الإخراج والسينوغرافيا فتتولاه المخرجة الطليعية لينا خوري التي كان زياد أدى دوراً مهماً في مسرحيتها الجميلة «مجنون يحكي». يختصر برنامج الحفلتين أربعين عاماً من مسار زياد وتجربته الفريدة وإبداعه المتعدد الألوان شرقياً وغربياً.

قد لا يكون مناسباً التطرق إلى ما أعلنه زياد الرحباني في حواره الأخير مع الإعلامي عماد مرمل في تلفزيون «المنار» عشية تقديمه حفلتيه في «بيت الدين»، لكنّ مواقفه السياسية غير المتزنة تدعو إلى الأسف وربما إلى الشفقة، وعبّرت عن حال الارتباك السياسي الذي يعانيه والذي أفقده البوصلة. يحق للفنان الكبير أن يكون شيوعياً و «لينينياً»، أما أن يكون «ستالينياً» ومقاوماً علمانياً يؤيد «حزب الله»، الحزب الطائفي والمذهبي، فهذا مما لا يمكن تصوره. هل يهذي زياد سياسياً؟ ربما. ماذا يعني أن يجد في بشار الأسد بطلاً صامداً يماثل في صموده الأمين العام لـ «حزب الله»؟ ألا يعلم أن إسرائيل تريد بشار الأسد حارساً وحيداً لحدودها بعدما أدى لها خدمة في تدمير سورية؟ ألا يدري زياد أن بوتين المعجب به كثيراً، «يتعامل» مع إسرائيل علناً وينسق معها استخبارياً، خصوصاً قبل شن طائراتها غارات على سورية؟ هل يعتقد حقاً أن إيران حليفة المقاومة والصمود والتصدي، تطمح في تدمير إسرائيل وإنهائها؟

من يستمع إلى زياد يتحدث في السياسة يأخذه شعور بالشفقة عليه. «يطعوج» كما يقال بالعامية، يتخيل، يتوهم ويقع في الأخطاء الجسيمة. يصر زياد على «التخبيص» في وحول السياسة اللبنانية، وهو غير ملم بأسرارها وأكاذيبها، وغير خبير في ألعابها «السحرية» وأحابيلها وأفخاخها. فنان كبير، عبقري في الموسيقى تأليفاً وتلحيناً، صاحب مدرسة في المسرح السياسي الملتزم، وسليل الإرث الرحباني العظيم. ممثل خفيف الظل، ساخر ومؤلم في سخريته، إنساني، مثالي، فيه الكثير من براءة الثوار الحقيقيين ونظافة قلبهم ويدهم… ألم يكن في وسع زياد أن يختار مثلاً تلفزيوناً محايداً أو حيادياً ليطل من خلاله إعلامياً بعد انقطاعه عن جمهوره؟ «تلفزيون لبنان» مثلاً. اختار «المنار» ظناً منه أن جمهور «حزب الله» يؤيده ويؤيد أفكاره العلمانية واليسارية والشيوعية. اختار «المنار» الذي لم يتحمل «زلة لسان» صغيرة، ونابية، شعبية ودارجة، لفظها زياد بعفويته، فاضطرب محاوره عماد مرمل واصفرّ واخضرّ واحمرّ وراح يعتذر من الجمهور على هذا الإثم الذي ارتكبه زياد. فالكلمات الشعبية النابية في تلفزيون المقاومة المذهبية مثلها الأغاني ومثل المطربين والمطربات. هل استحق زياد هذه «البخعة»؟ لماذا يخون زياد جمهوره الكبير في كل المناطق وكل الطوائف وكل الطبقات فيختار جمهوراً واحداً ليتوجه إليه؟ لماذا ينحاز إلى حزب أو جماعة يسعيان إلى استغلاله إعلامياً ودعائياً وهما يرفضان أفكاره العلمانية والثورية كل الرفض؟ متى يعود زياد إلى رشده السياسي ويتذكر ماضيه النضالي والشخصي؟ سيكتشف زياد حتماً أن الحفلتين ستخلوان من جمهور الحزب المذهبي والطائفي وستغصان بجمهور هو جمهوره، وفد إلى «بيت الدين» من كل لبنان، غير مبال بمواقف زياد ومهاتراته السياسية.

جريدة الحياة